يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي هو الأداة التي لا غنى عنها في القرن الحادي والعشرين، فمن مساعدة الأطباء في تشخيص مرضاهم وعلاجهم إلى التقدم السريع في اكتشاف الأدوية الجديدة، أصبح الذكاء الاصطناعي شريكنا الموثوق في الكثير من نواحي الحياة.
أما الآن فقد وجد الذكاء الاصطناعي طريقه إلى مجال الحب والعلاقات البشرية، وقد يصبح من الشائع قريباً أن ترتبط بشخصية افتراضية “أفاتار”.
تم طرح هذا المفهوم في فيلم “Her” الذي فاز بجائزة الأوسكار لتصويره قصة حب غير تقليدية بين كاتب، ونظام ذكاء اصطناعي، وفي الواقع لقد بدأ البشر بالسير على هذا الطريق.
تبلغ قيمة شركات المواعدة والارتباط عبر الإنترنت أكثر من 4 مليارات دولار أمريكي، وهناك عدد متزايد من المساهمين في هذا السوق. وتهيمن على السوق مجموعة “ماتش” والتي تمتلك تطبيقات “ماتش، وتيندر، وأوكي كيوبيد” و45 شركة أخرى متعلقة بالمواعدة.
جمعت شركة “ماتش” ومنافسيها مجموعة غنية من البيانات الشخصية والتي يمكن للذكاء الاصطناعي تحليلها والتنبؤ بكيفية اختيار شركاء الحياة.
وتعتمد الصناعة بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال يحتوي تطبيق “ماتش” على روبوت محادثة مزود بذكاء صناعي يدعى “لارا”، يساعد الأشخاص ويوجههم خلال عملية المواعدة، ويقدم اقتراحات تستند على ما يصل إلى 50 عاملاً من العوامل الشخصية.
ويوضح شون راد المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “تيندر”، رؤيته حول الذكاء الاصطناعي بشكل مبسط، “هو عبارة عن مرشح (فلتر) ذكي يقدم لك ما يعرف أنك مهتم به”.
يستخدم موقع المواعدة “إي هارموني” الذكاء الاصطناعي ليحلل دردشة الأشخاص ويرسل اقتراحات حول كيفية القيام بالخطوة التالية.
أما موقع “هابن” فيستخدم الذكاء الاصطناعي “لترتيب” الملفات الشخصية وإظهار الملفات التي يتوقع أن المستخدمين يفضلونها.
وتستخدم منصات المواعدة الذكاء الاصطناعي لتحليل جميع التفاصيل حتى الدقيقة منها. ومن النتائج يمكنهم تحديد عدد أكبر من المطابقات المحتملة لكل مستخدم.
يمكنهم أيضاً فحص المنشورات العامة لأي شخص على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام” للتعرف على اهتماماتهم. هذا الأمر سيقلل من التحيز في كيفية تمثل الأشخاص لأنفسهم في استبيانات التوفيق بين شريكين. حيث أن العديد من الأبحاث أظهرت أن عدم الدقة في السمات المبلغ عنها ذاتيا هي السبب الرئيسي في عدم نجاح المواعدة عبر الإنترنت.
ومع وضع المزيد من البيانات الشخصية على الإنترنت خاصة وسائل التواصل الاجتماعي سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً على إجراء تنبؤات دقيقة بشكل أكبر.
وحيث ما وجد الذكاء الاصطناعي فغالباً ما سيكون هناك شقيقه التكنولوجي وهو “الواقع الافتراضي”.
ونظراً لأن كليهما يتطور في نفس الوقت، فسنرى على الأرجح اصدارات من الواقع الافتراضي التي تسمح للأشخاص بالتدرب على المواعدة في بيئة محاكاة لتجنب الإخفاق في المواعدة الحقيقية.
وهذا أمر ليس بعيد المنال خاصة مع وجود “صديقات افتراضيات” تساعد الأشخاص على التدرب على المواعدة وهن موجودات منذ عدة سنوات.
ومع وجود بيانات المستخدمين الكافية، يمكن للذكاء الاصطناعي في المستقبل إنشاء شريك مخصص بالكامل لك في الواقع الافتراضي يوافق جميع شروطك وتفضيلاتك. بل إن الأمر الأكثر إثارة للجدل هو الخطوة التالية التي ستكون عبارة عن تحويل الـ”أفاتار” إلى كيان محسوس.
ويمكن للـ”أفاتار” عند ذلك أن يعيش معك ويصبح رفيقك ويلبي جميع احتياجاتك، ومع أن مثل هذه الروبوتات غير موجودة حتى الآن إلا أنها قد متوفرة تكون يوماً ما.
ويجادل أنصار الروبوتات بأن هذه التكنولوجيا تساعد في تلبية حاجة المجتمع خاصة لكبار السن والأرامل والأشخاص ذوي الإعاقة. وفي الوقت نفسه يحذر النقاد من المخاطر الكامنة في التمييز والعنصرية ونزع الصفة الإنسانية -لا سيما النساء- وحتى الرجال أيضاً.
وقد تكون المشكلة الأكبر خطراً هي زيادة أعداد الأشخاص المنعزلين اجتماعيا، الذين يستبدلون التكنولوجيا بالتفاعل البشري الحقيقي، في اليابان هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير.
النقاش حول “الحب” الرقمي شديد الاستقطاب، ومثل معظم المناقشات الرئيسية في تاريخ التكنولوجيا لا بد أن نتوصل إلى نقطة الإجماع. ولكن يبدو أن التكنولوجيا هذه المرة تتقدم بشكل أسرع بكثير مما نتصور.
وبشكل عام، العلاقة البناءة بين البشر والتكنولوجيا هي العلاقة التي يتحكم فيها البشر، وتساعده التكنولوجيا على تعزيز خبراته.
سيطرة التكنولوجيا على البشر هو أمر غير إنساني، وسيتعين علينا تعلم المخاطر والفوائد المصاحبة لها مستقبلا.