الثقافة المغربية على المحك، المقهى الأدبي الأوروعربي ببروكسيل في دورته الأربعين – مؤمن الوزان

0
877

لم تكن الدورة الأربعون في المقهى الأورو-عربي ببروكسيل هذه المرة مختلفة عن سابقاتها في ريادة المشهد الأدبي والثقافي المهجري، لكنها تفردت بأفق جديد -وإن لم يكن غائبا قط- بصورة واضحة ومباشرة في أن يعلن المقهى الأدبي الأورو-عربي بأنه مركز للفكر والبحوث الاستراتيجية والأطروحات الثقافية والأدبية التي لا تعيش منعزلة عن الواقع والشارع، بل هي نابعة من آلام هذا الوسط ومنطلقة من رؤى تبلورت للنهوض بالمجتمع، وهؤلاء الذين يتم العمل ليل نهار من أجل إبقائهم في وضع جهل جمعي وتغييب الحقائق عن مدى أنظارهم وأبصارهم. ومن هنا ولأجل هذا كان لا بدَّ للمقهى الأورو-عربي أن يعلنها صريحة ودون جلاء بأن الضوء سيكون حيث نقف وأن الأنظار تتجه حيث نتجه، فما هي هذه الرؤى والاتجاهات والأفكار والأطروحات التي يتبناها المقهى الأدبي الأورو-عربي، وما هي السبل التي يسعى من خلالها للتنظير والتطبيق؟ تبقى أسئلة مطروحة والإجابة لا تخفى عن لبيب. ففي دورته الأربعين وبمحاضرة ألقاها الأستاذ الدكتور المقيم في ألمانيا محمد كنوف والتي كانت بعنوان: الثقافة المغربية على المحك، جواب لكل متسائل، عن الدور الذي يلعبه المقهى الأدبي في استقطاب الشخصيات الفكرية والثقافية والأدبية بل والعامة أيضا، في تصدير هذه الشخصيات صاحبة الرؤى الفكرية الجليّة غير المضببة بالزيف، والصادحة بالحق، المحاربة للأباطيل والفصيحة المفوهة البعيدة عن الأحاجي اللغوية والخُطى الرصينة الثابتة المعادية لأي تنطعٍ منهجي. المحاضرة وإن خصت المشهد الثقافي والأدبي والفكري المغربي في الطرح والتنظير ألا أنها لم تنفصل عن البيئة العربية المحيطة التي تتشارك في الآفة التي نخرت جسدها.

محاضرة الدكتور محمد كنوف تمحورت حول نقاط رئيسة انطلق بعدها في الاستفاضة لتبيين المشهد الذي تسيد المنصة وأطاح وحارب أي فكر تنويري نقديا كان أو معارضا، ومن هذه النقاط: دور المثقف الريادي في القيادة والتوجيه وتعديل أي انحراف في سير المجتمع سواء على المستوى الفكري أو الثقافي أو الأدبي أو الاقتصادي أو السياسي، حيث أكد على دوره في قيادة السياسي، إذ أن للمثقف حضوره المهاب وسطوته التي يحسب لها ألف حساب لا العكس كما حدث ويحدث اليوم، وقد ارتمى المثقف في أحضان السياسي وسار على خطاه، وهذا الدور الثانوي الذي لبسه البعض أو تم إلباسه إياه للبعض آخر لم يأتِ وليد اللحظة ولم يخرج من شرخ الأرض، بل هو كان سيرورة وصيرورة كان أحد أسبابها الاستعمار، وتلك كانت النقطة الرئيسة الثانية في المحاضرة، استعراض تاريخي لدوره الهدام بمعوله الكبير الخفي والذي كان يعمل بدأب على تهديم الثقافة والفكر الجمعي والوطني في المجتمع المغربي وإشاعة فكر المدارس الأوروبية التي لا تمت للمجتمع بصلة، إذ هدفت لتحقيق أهداف المستعمر حاضرا وقتها ومستقبلا وقتنا الحالي، وعمل على احتضان من سماهم “الأعيان” ودعمهم، إذ يؤكد على “إن مسألة الثقافة المغربية، حالة مورس عليها الظلم والعنصرية. ومما لا شك فيه أن أصوات تحررية كتبت وناضلت من أجل الوقوف في وجه هذه الأشكال الهدامة التي أتى بها المستعمر. ومن الفئات التي أسست لصوت جديد في التعبير عن مسار تصحيحي للمسألة الثقافية في المغرب،كانت هناك عناصر تحمل الفكر التحرري الأممي، متشبعة بالفكر الماركسي والمقاوم سلميا، حيث ظل هذا التيار إلى بداية الثمانينيات نشطا في أحزاب سياسية وجمعيات متنوعة وأفراد غير منتمين لأية جهة تأطيرية”. ويضيف بأن هذا الصراع الذي دام طويلا بين أنصار الفكر التحرري والمناوئين لهم، نجح في إخضاع الأصوات للسلطة وتغييب أخرى بطرق متعددة. فكانت النتيجة هي أن “هذا المشهد” أجج الصراع بين السياسي والثقافي، وأفرز نتاجات ثقافية هجينة لا تمت إلى المشهد الثقافي العام بأية صلة دافعها فقط البحث عن المال والجاه، إذ انتفت مسألة القيمية الفنية والإبداعية وتلك تجربة نجحت إلى حد الآن. وهذا ما تمحورت فيه النقطة الرئيسية الثالثة هي السلطة ذات المطرقة الكبيرة التي دأبت على قمع وتهميش أي صوت تنويري لا يوافق رؤاها التغيبية وعلى المستويات كافة.
النقطة الرئيسة الرابعة تمثلت في الفهم الخاطئ للعولمة، فكما يعرفها الدكتور محمد كنوف بأنها: قطار سريع يتوقف بمحطاته ولكن بسرعة البرق فمن صعد صعد ومن بقي في المحطة بقي، هذا على مستوى الدول ولكن العامة فهموا العولمة بأنها تكنولوجيا فقط ولم يفهموا منها إلا القشور. وفي الوقت الذي كان الشعب يأمل في انفتاح ثقافي عام، وتطلع إلى غد أفضل على جميع الأصعدة، أصيب بضربة قاصمة، إنها طلقة الحداثة التي أولها المندسون في المشهد السياسي إلى المجتمع قصد جره إلى محو كل ما يربطه بثقافته الأصيلة والتي كونها على مر سنين وعقود.
وحول هذه النقاط الرئيسية والنقاط التي تتفرع عنها كانت مادة المحاضرة التي تم طرحها، تبعها نقاش الحضور من أجل تبلور الأطروحة الفكرية بشكل أجلى مزيل لأي لبس أو سوء فهم، وتزويدها بأي نقاط أو أفكار إضافية.

وفي الشق الآخر من نشاط المقهى الأدبي الأورو-عربي، شهدت مشاركات شعرية ونثرية من قبل مبدعي المقهى الأدبي، إلى جانب وصلات غنائية.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here