أعطاب المجتمع المغربي ــ عبد الكريم ساورة

0
701

  الحياة سباق شاق، مع الذات ومع الآخر، الآخر في كثير من الأحيان وقود هام لتحقيق نجاحاتنا أو إخفاقاتنا، وفي كثير من الأحيان نعطي للآخر أكثر مما يستحق، وهذا طبيعي جدا لأن في الأول والأخير السباق الحقيقي يتمحور في صراع وهزيمة الآخر، وقد نظهر هذا الصراع مرة ونخفيه مرات عدة وهذه هي أخطر الحروب.
وكثيرا منا يترجم تفوقه بانتصاره على بني جلدته ربما في الدراسة أو في منصب ما أو في زوجة غنية وجميلة أو في زوج دون مكانة مرموقة أو في كتابة الشعر أو كثرة الإصدارات، أو في عالم المال والتجارة، هناك فئات كثيرة في المجتمع تعتقد أنها في حلبة الملاكمة وعليها أن تضرب خصمها بالضربة القاضية، لكن السؤال : هل فعلا هذا هو خصمها الحقيقي ؟ أم أنها تحاول اختراعه ومنافسته والقضاء عليه في نهاية الأمر.
مأساة الإنسان تاريخيا، أنه يعتقد أن تحقيق الذات يتم في تجاوز الآخر بكل الطرق، ويعتبر الأمر انتصارا أسطوريا، وبذلك يستعمل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، النظيفة وغير النظيفة، الأهم بالنسبة إليه هي النتيجة ولو قام بحرق المجتمع برمته، والأخطر من هذا هو عندما يتم غرس هذه الآفة بين أفراد المجتمع الواحد.
ومن أخطر أعطاب المجتمع المغربي عندما يتم إيهام الناس أن تحقيق الذات، يتم عبر المرور من طريق معينة أو مسلك خاص، أو وظيفة معينة، وهو ما يحاول أغلبية الآباء القيام به مع أبنائهم، عندما يحاولون شحنهم بضرورة التركيز على مهنة مقدسة (كالطبيب أو المهندس) لأنهما يوفران المال والمكانة الاجتماعية الكبيرين، معتقدين أن تحقيق الذات لا يمكن أن يتحقق خارج أسوار هذه المهن ” النبيلة “، وهنا يتحول تحقيق الذات إلى سباق مسلح بكل الأسلحة سواء منها المسيلة للدموع أو الانتحارية للفوز بهذا المقعد الأسطوري.
لا أحد ينتبه أن أفراد المجتمع يدخلون في صراع مستتر ويبدؤون في التنافس على كل شيء سواء كان ذا قيمة أو كان تافها، وقد يبتدأ من نوع السيارات، وكل طبقة تحاول الفوز “بالماركة ” التي تلائم مركزها الطبقي وتعطيها جاذبية استثنائية تحاول أن ترفع من أسهمها في الوجاهة الاجتماعية، والمكانة التي تحاول أن تقدمها للمجتمع خصوصا أن السيارات تتنقل أكثر بين الشوارع والناس وبذلك فشكلها المثير يترجم الطبقة التي تستعملها.
وما يقال على عالم السيارات وسحرها يقال على عالم اللباس، وهو الآخر من المظاهر المرضية المتفشية بقوة بين أفراد المجتمع، فتجد الصغار مثل الكبار يتسابقون على ” الماركات ” المشهورة ويحاول كل فرد في المجتمع وخاصة النساء باقتناء الجديد والمثير والأغلى وذلك من أجل إثبات تميزهن وتفردهن عن بعضهن البعض، والحقيقة أن الصراع في الظاهر مظهري لكنه صراع مواقع ومصالح في الخفاء.
ونفس الشيء ينطبق كذلك على نوع المنازل والأفرشة والأثاث فنجد المنافسة على أشدها بين الأسر سواء الميسورة أو الفقيرة في اختيار أبهى الألوان من الزرابي والأريكات العصرية التي أصبحت تزين بها غرف النوم، والصالات، وهنا نجد الأسر المغربية تحاول أن تستعرض أجمل ما يوجد بالسوق حتى لا يظهر بمظهر ناقص أو باهت أو كما نقول نحن المغاربة ” يجب أن نغلق فم الوافدين إلى المنزل “.
أول مايستشف من هذه الأمثلة التي كانت على سبيل الحصر، أن المغاربة أصبحوا يحرصون كل الحرص على الجانب المظهري في كل شيء، عند ازدياد مولود جديد، أو في حالة وفاة، أو عند نجاح أحد الأبناء، أو تخرجه، أو في الأعراس وغيرها من المناسبات، فهم يقومون بكل ما في وسعهم للظهور بمظهر القادر على تحمل أعباء المناسبة ولو كانوا في حالة عسر بائن، المهم هو تنزيل وتحقيق الغرض بصورة استعراضية على أرض الواقع ولو عن طريق السلف.
المجتمع المغربي تغير في جوانب عدة، منها ما هو إيجابي، لأن الحداثة تستوجبه في هذه الظرفية الراهنة، وهناك جوانب سلبية كثيرة، وأخطرها هو هذا الشكل المظهري في التعامل مع الأشياء، بعيدا كل البعد عن جلالة عمقها، وبساطتها، وهنا يتم الانقلاب على كل شيء جميل وبسيط وتلقائي وتم تعويضه بأشياء لامعة وبراقة ومثيرة، وخطورة هذه الأشياء أنها غير حقيقية، لأنها تحكمها أصلا علاقات زائفة وكاذبة.
هل يمكن القول أن المجتمع المغربي غالبيته يكذب على بعضه البعض فيما يخص جانب العلاقات والتموقعات الاجتماعية ؟ هذا قول فيه كثير من المبالغة ولا يستند على أي أساس علمي، لكن الواضح أن هناك أمراض وأعطاب أصابت المجتمع في الآونة الأخيرة وسببها غياب التأطير المجتمعي بثقافة قاعدية وليست سطحية، الحل هو مجتمع المعرفة، مجتمع يعرف بؤسه وخصمه الحقيقي.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here