آخِرُ أَنْبِيَاءِ الْجُرْحِ في سيْنَاء __ الشاعر أحمد حسن محمد

0
192

 

﴿إلى مُجنَّدٍ مات عشقا لمصر قبل أن يحيا إلى الأبد﴾

***

مَشَى إِلَى الشَّمْسِ حَتّى أَكَّدَ الصُّبْحَا
قَالَتْ: “نَفَوْا مَشْرِقي!”، أعْطَى لَهَا جُرْحَا

فَهَرَّبَتْ –فِيهِ، مِنْ حَرْبِ الدُّجَى- قَمَراً
وَأَشْرَقَتْ حلْوَةً فِي أَعْيُنِ الْجَرْحَى

وَجَفَّفَتْ بِمَنَادِيلِ الضِّيَاءِ نَدىً
فِي جَفْنِ طِفْلٍ، عَلَى يُتْمَيْنِ قَدْ أَضْحَى

أَبُوهُ قَالَ لَهَا: ظَلِّي عَلَى صِلَةٍ
بِهِ، وَرَبِّي لَهُ ظِلَّيْنِ فِي البَطْحَا…

وَعَلِّمِيهِ كَمَا عَلَّمْتِ وَالِدَهُ
حَتَّى يُؤَكِّدَ بَعْدِي الصُّبْحَ إِنْ شَحَّا

يُعْطِيكِ -مِنْ جُرْحِهِ- الشَّرْقَ الْجَدِيدَ، عَسَى
أَنْ تَعْقِدِي -بَيْنَ أَضْدَادِ الرُّؤى- صُلْحَا

وَأَنْ تُرَبِّي لَهُ ظِلَّ ابْنِهِ بِــــضِيَا
مُرَسِّخٍ -فِي جِبَالِ الْغَايَةِ- السَّفْحَا

قَالَتْ لَهُ الشَّمْسُ: لا تَقْلَقْ عَلَى وَلَدِي
فَأُمُّهُ بِالتَّبَنِّي بِابْنِهَا فَرْحَى

وَسِرْ عَلَى مَاءِ هَذَا الْغَيْمِ؛ أَكْثَرُهُ
حِبْرُ الْجُذُورِ، بِهِ مَلّى الثَّرَى الدَّوْحَا

لعَلَّ فَرْخاً بِقَشِّ الليْلِ يَبْحَثُ عَنْ
غُصْنٍ يُرَبِّيهِ حَتَّى يُتْقِنَ الصَّدْحَا

وَقُصَّ-مِنْ دَمِكَ- الرِّيشَ، الْمَدَى قِصَصاً
فِيهَا يَطِيرُونَ مِنْ أَنْحَا… إِلَى أَنْحَا…

فِيهَا يُرَبُّونَ أَجْسَاداً كَسُنْبُلَةٍ
إِنْ فُرِّطَتْ فِي الثَّرَى، تَرْجِعْ لَهُمْ قَمْحَا

جِسْمُ الشَّهِيدِ بِبَطْنِ الأَرْضِ لَيْسَ سِوَى
حَمْلٍ؛ لِتُنْجِبَ شَعْباً يُكْمِلُ الْفَتْحَا

كِتَابُ رَبِّكَ فِي عَيْنَيْهِ مَتْنُ هُدىً..
قُلُوبُهُمْ لَمْ تَعُدْ –إِلَّا لَهُ- شَرْحَا

مَا زَالَ سِكِّينُ إِبْرَاهِيمَ مُنْتَظِراً
فِدىً لِيَبْدَأَ فِيهِمْ عِيدَهُ الأَضْحَى

يَمْضِي، وَيَتْرُكُ فِي الصَّحْرَا لَهُ وَلَداً
غَداً سَيَبْنِي -لـِــ طَوَّافِي الرُّؤَى- صرْحَا

يُرَبِّتُ الرَّمْلَ حَتَّى… فَاضَ زَمْزَمُ مَا
فِي نَبْضِهِ مِنْ مُنىً، نَخْلٌ بِهِ صَحَّــــــ ــا
* *
تَقَمَّصِ الْكَوْنَ، زَرِّرْ كُلَّ أَنْجُمِهِ
فِي عُرْوَةِ الْخُلْدِ، وَاكْتُبْ لِلْعُلا لَوْحَا

وَصَلِّ فِي صَمْتِك الأَعْلَى، لَهُمْ، مَدَداً
يُحِيلُ جَدْبَ قُرَاهُمْ رَوْضَةً فَيْحَا

وَاخْطُبْ بِهِمْ أَنَّ سِرَّ النَّصْرِ تَضْحِيَةٌ
لَيْسَتْ تعدُّ -قُشُورَ الْمُشْتَهَى- رِبْحَا

وَلَيْسَ يَحْظَى بِطَعْمِ الْخلْدِ غَيْرُ فَتىً
أَفْتَى لَهُ الْجُرْحُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرُّمْحَا

مِنَ الْعِبَادَةِ أَنْ يُمْلُوا عَلَى وَطَنٍ
دِمَاءَهُمْ سُورَةً فِي الْمَجْدِ لا تُمْحَى

قَدْ متَّ عِشْقاً، وَهُمْ فِي سَيْفِ قَاتِلِهِمْ
-فِي سَاعَةِ الذَّبْحِ- مَاتُوا كُلُّهُمْ مَدْحَا

مِنْ جُزْءِ (عَمَّ).. انْهَمِرْ بِالْخَيْلِ، فَاضِحَةً
خُوَارَ عِجْلٍ طَلَاهُ (السَّامِرِيْ) ضَبْحَا

وَأَوْرِ -فِي صَخْرَةِ الأَحْلَامِ فِي دَمِهِمْ،
بِعَادِيَاتِ الْمُنَى، يَا بْنَ الرُّؤَى- قَدْحَا

تُؤَصِّلُ الْمَجْدَ لِلْأَوْطَانِ قَاعِدَةً
يَصُوغُ شِعْرِيَ مِنْهَا دَوْلَةً فُصْحَى!

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here