إننا وبوضعنا الكياني، كتلة عامة في كينونة متحركة، هذا المبدأ الجمعي يؤدي بنا إلى النظر العميق إلى حالاتنا المنتجة للثقافة.
الحالات الذاتية، بمعنى انفراد المشهد الثقافي بشخصية الدافع الذاتي المنتج في حدود المرجعية الذاتية، هذا العنصر يفضي بنا إلى مدى اتساعه وامتداده لمنظومة أوسع من التركيبة الفردانية للإنتاج الثقافي. فهي أساسا تعتمد على إمكانيات ذاتية قليلة الفاعلية، كما تعتمد على مخرجات ثقافية محدودة وبنسب متفاوتة. الأمر الذي يستدعي مد يد المساعدة الذاية والمادية لإخراج هذا المنتج من حالته الأحادية، خطابا وفاعلية إلى حالة أوسع تجمع شرائح مختلفة تنتج ثقافة فاعلة وثقافة تصدر عن حالات اجتماعية متحركة في مجتمعات عديدة. هذا الأمر نراه قاعدة مهمة لتوسيع المنتج الثقافي الحقيقي، إذ أننا لم نعد نعيش حياة الفرد بامتياز الكائن الفاعل. هذا عصر التكتلات الاقتصادية والاستراتيجية، فلذلك حتى الثقافة وإنتاجها عليها أن تخضع لعملية التكتلات.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، كيف يمكننا تصور تكتلات ثقافية، وما هي شروطها وبنيتها، وما هي صفات المنتج الثقافي الذي يمكننا تبنيه في وقت أننا نعيش ما بعد الحداثة؟
كان التصور قد ظهر منذ وقت بعيد، عندما تصدر المشهد الفكري العالمي، أصوات ومقولات لمفكرين، جان كوكتو، هابرماس الألماني مثلا، وتبناه مفكرون آخرون عرب وغربيون.
لكننا الآن نعيش مرحلة ما بعد الحداثة، بكل تنوعاتها واتجاهاتها، لذلك علينا إنتاج تصور خاص يساير المرحلة، فكرا وبنية. وكيف علينا أن نكون فاعلين في المشهد الإنساني باختلاف تجمعاته الإجتماعية، السياسية والثقافية.
ثم هل يمكننا حقا إنتاج نسق فكري واجتماعي من خلاله يمكننا أن نبصم على حالتنا الثقافية كعرب يعيشون في مجتمعات العالم؟ ما الشروط العملية لتكييف تصوراتنا لنسمي حالتنامثقفين عضويين يعايشون كل أنماط الحياة الثقافية، وهل إمكانيات النجاح متصورة إلى حدود ما؟ وأخيرا هل تستطيع الجمعيات والتكتلات الصغيرة أن تفعل التمثيل الحقيقي للثقافة التي نريد أن ننتجها هنا في أوروبا، نموذجا؟
ما هي روافد البعث الثقافي وإنتاجيته التي تمارس في التجمعات والمحافل، لنصل إلى نهاية الأسئلة، من يحق له أن يمثل تجمعاتنا الإجتماعية ثقافيا؟هل الأكاديميون المثقفون طبعا؟ أم أصوات فردية مجتمعة، لكن لا نسق فكري يجمعها ولا فلسفة استراتيجية تقودها لإنتاج ثقافة وازنة، فاعلة.
هذا المبحث وهاته الأسئلة ستكون محاضرة سنلقيها بداية الشهر المقبل في إحدى المحافل الجادة، والتي ستكون إشعاعا للأجوبة التي بقيت على الرفوف ولم تفعل.