الخطيئـة ــ ذ. سليم عوض عيشان

0
620

(( الخطيئـــــــة ))؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه )

+++++++++++++++++++++

تنويه :
الأحداث والشخوص حدثت على أرض الواقع .. ولا فضل للكاتب على النص… اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .

إذا تطابقت الشخوص والأحداث مع البعض على أرض الواقع .. فليس هذا سوى من قبيل المصادقة البحتة …

الكاتب
=========================

(( الخطيئـــــــة )) ؟؟!!
فتحت الممرضة باب ” حجرة الكشف ” في العيادة الخاصة والابتسامة العريضة تغطي محياها .. أسرعت الخطى ناحية الشاب الذي كان ينتظر في الخارج على أحر من الجمر ؛ بينما كان يقف إلى جانبه أبواه العجوزان . اقتربت الممرضة منهم .. هتفت بسعادة وسرور :
– مبروك … ” الست ” حامل ؟؟!!
خيل للشاب بأنه في حلم رهيب ، أحس وكأنه يقاسي آلام كابوس قاتل ، دارت الدنيا من حوله ، هيئ له بأن طبول العالم أجمع تقرع في أذنيه دفعة واحدة ، شعر بالدوار المخيف .
نظرت الممرضة نحوه ببلاهة ، رددت العبارة مرة أخرى معتقدة بأنه لم يسمعها في المرة الأولى ، وهي لا تدري بأن صدى كلماتها قد تردد في أذنيه ملايين المرات .
وقفت تنتظر ببلاهة أن ينفحها شيئاً من النقود مقابل هذه البشرى العظيمة ؟؟‍!! .. بالكاد استطاع الشاب أن يتماسك بعض الشيء .. حاول أن يجر قدميه فأحس بهما وكأنهما قد دقتا إلى الأرض بأوتاد متينة .
تحركت الأم العجوز بعد أن أفاقت من المفاجأة الرهيبة ، اقتربت من الممرضة ، لم تتفوه بحرف ، استندت عليها .. غابتا داخل الحجرة لبعض الوقت … لم تلبث العجوز أن كانت تخرج من الحجرة ترافقها فتاة في مَيْعَةِ الصبا ، أمارات الجمال المميز تبدو جلية واضحة على محياها الجميل رغم ما بها من آلام جسيمة ومعاناة رهيبة ، دل عليها الانتفاخ الواضح في بطنها ، حاولت العجوز والممرضة إسنادها والسير بها .. حاولت الفتاة أن تتكئ على الشاب عندما وصلت نحوه ، أزاحها عنه بشيء من الجفاء والغلظة.. ابتعد الأب العجوز عن الفتاة حتى لا تحاول الاتكاء عليه لمساعدتها ؟‍؟!! .. ولم يلبث أن سار الجميع في موكب أشبه ما يكون بالموكب الجنائزي .
راحت الأفكار تتسارع في ذهن الشاب بشكل متسارع مخيف …
لقد تردد في الحيّ بأن شقيقته قد اقترفت إثماً رهيباً ؟‍؟!! .. وبأنها أصبحت خاطئة بعد أن ارتكبت الفاحشة مع شاب لا يعرفه أحد، وحسب رأيهم ؛ فليس هناك من دليل أصدق من هذا البطن المنتفخ الذي تحمله الفتاة رمزاً لخطيئتها البشعة .. تردد ذلك على ألسنة جميع سكان الحيّ .. حتى وصل في النهاية إلى آذان أهل البيت . لقد علمت الأم بذلك .. والأب أيضاً .. وشقيقها الشاب .. علموا بتلك الأحاديث التي يتداولها الجميع ، فأصابتهم صاعقة المصيبة والعار ، وحل بهم الأرق والسهاد .
فكر الجميع كثيراً بمخرج لتلك المصيبة التي حلت بهم بدون مقدمات وبشكل مفاجئ .
ويبدو بأنهم قد توصلوا إلى الحل النهائي للأمور ، ولكن كان عليهم قبل التنفيذ أن يلجأوا إلى التأكد وبشكل قاطع للأمر رغم أن لديهم البرهان القاطع للأمور .. المتمثل في ذلك البطن المنتفخ ؟؟!!‍‍ .
وها هو التأكيد يأتي قاطعاً من الممرضة ، تبشرهم بالبشرى العظيمة ؟؟!! .. وها هي تنتظر منهم هدية البشارة ؟؟‍‍!! .. يا لها من ممرضة حمقاء حقّاً ، لقد ظنت بأن الشاب هو زوج الفتاة التي ترقد بالداخل لتقوم الطبيبة بالكشف عليها .. وظنت بأنها تزف له البشرى والخبر الذي تتوقف عليه سعادته إلى الأبد ؟‍؟!!.. وهي لا تدري بأنها تزف له الخبر الذي يتوقف عليه تنفيذ حكم الإعدام بالفتاة .
.. ووصلوا .. وصلوا إلى المنزل .. وصلوا إلى القرار .. فبعد التأكد من الأمر بشكل قاطع .. لم يتبقَّ سوى أمر التنفيذ ؟؟!!.
ألقت الفتاة بنفسها على الأرض متهالكة .. تكابد ما بها من آلام وإرهاق ومعاناة ، غادرتها الأم .. وانضمت لزوجها وابنها الذين اجتمعوا بسرية في حجرة مقفلة ليتخذوا القرار النهائي .. بل .. لينفذوه فوراً ؟؟!! .
دخل الأب يرافقه ابنه الشاب حيث كانت تجلس الفتاة إلى الأرض منكسة الرأس ؛ تعاني الآلام المبرحة ، تقبض على بطنها بقوة بكلتا يديها وكأنها تحاول تخفيف الألم القاتل الذي كان يعتصرها .. كان الشاب يحمل في يده كوباً به سائل داكن اللون .. شعرت الفتاة بالقادمين ، رفعت رأسها قليلاً … خفضته لشدة ما بها من إعياء وألم .
اقترب منها شقيقها ووالدها ، توقف الشاب للحظات .. لم يلبث أن جلس القرفصاء إلى جانبها .. رفعت رأسها المجهد نحوه ، وقع بصرها على الكوب الذي يحمله بيده المرتعشة ، ظنت بأنه بعض الدواء أو العلاج المسكن للآلام .. شكرت في سرها لأخيها اهتمامه بالأمر ، هتف بها بنبرات مرتعشة وهو يمد يده التي تحمل الكوب نحوها :
– اِشربي ..
حاولت الفتاة أن تعدل من جلستها .. اعتدلت قليلاً .. مدت يدها المرتعشة المضطربة نحو الكوب .. تناولته .. انتظرت هنيهة قبل أن تدنيه من فمها .. بينما العيون من حولها تلاحقها وتحدجها بنظرات كالسهام النارية .
لحظات قليلة وكانت اليد تقترب بالكوب من الفم .. واقتربت بما فيه الكفاية .. وقبل أن ترتشف رشفة واحدة تسرب إلى أنفها ورئتيها رائحة نفاذة غريبة .. أبعدت الكوب قليلاً عن فمها .. حاولت أن تضعه جانباً .. صرخ الشاب فيها بنبرات غريبة :
– قلت لك .. اشربي ؟؟!! ..
نظرت نحوه بتساؤل عجيب .. هتفت ببلاهة وسذاجة :
– إن لهذا الدواء رائحة غريبة ؟؟!
رد الشاب بصوت متهدج :
– إنه الدواء الذي سيريحك إلى الأبد … إلى الأبد ؟؟!!
يبدو بأن الفتاة قد بدأت تتنبه للأمر ، فماذا يعني قول شقيقها هذا ؟؟!! .. حاولت أن ترتشف مرة أخرى .. لم تستطع . حاولت أن تنحي الكوب جانباً .. صرخ فيها الشاب بقوة وإصرار :
– اِشربي … اِشربي ..
تمتمت الفتاة بضعف ووهن :
– لا أستطيع … لا أستطيع ..
صرخ الشاب بعصبية واضطراب :
– يجب أن تشربي … يجب أن ترتاحي إلى الأبد .. يجب أن تموتي ..
كأن الصوت يأتيها من أعماق بئر رهيب .. من داخل القبور . من وراء الجبال .. تمتمت بما يشبه الهمس :
– لا أريد أن أموت .. لا أريد ..
قاطعها الشاب بحدة وانفعال :
– مثلك يجب أن تموت .. لقد جلبت لنا العار .. إنك خاطئة .. خاطئة … خاطئة ..
ارتعشت الفتاة .. ارتعدت .. طوحت بيديها في الهواء أمام وجهها وكأنها تحاول أن تطرد أشياء أو أن تبعد كابوساً مخيفاً .. تمتمت بحشرجة وغصة :
– لا .. لست بخاطئة .. أقسم بالله .. هذه هي الحقيقة ..
صرخ الشاب بجنون :
– الحقيقة بأنك يجب أن تموتي .. أن تموتي أيتها الـ ( … )
تدخل الأب العجوز مؤيداً :
– حقّاً … يجب أن تموتي .. هيا … اشربي السم !!
انتفضت كأن أفعى قد لدغتها عند سماعها تلك الكلمة .. تنبهت للحقيقة المرة الأليمة .. إذن .. فهذا السائل الذي يحملونه بيدهم ليس دواء ؟؟!! .. ‍‍ إذن .. هم يريدون قتلها وليس علاجها ؟؟‍‍ .
قطع الشاب حبل أفكارها المتلاطمة المضطربة المتلاحقة :
– الخطيئة عقابها الموت .. وأنت خاطئة ..
صرخت الفتاة بما تبقى لها من قوة :
– لست بخاطئة .. أقسم لكم .. أقسم لكم بشرفي ..
صرخ الشاب بشكل هستيري :
– شرفك ؟؟‍‍ .. هاها .. هاها .. ويشهد على عفتك وشرفك .. بطنك المنتفخ هذا ؟؟‍‍
تألمت الفتاة .. أخذت بالأنين .. تململت .. حشرجت :
– أخي .. صدقني .. إنه ليس …
قاطعها الشاب محتدّاً هادراً :
– لا أريد أعذاراً .. لا أريد تبريراً .. فالأمور واضحة جلية .. ولا تحتاج لبرهان .. والطبيبة أكدت ذلك بما لا يقبل مجالاً للشك .. هيا .. اشربي … اشربي ..
أمسك الشاب بالكوب بيد وبرأسها المرهق باليد الأخرى بقوة محاولاً أن يجعلها ترتشف الشراب القاتل عنوة وقهراً .. أبعدت يديه عنها بقوة غريب.. هتفت بكلمات مضطربة لاهثة :
– أرجوك .. أرجوك يا أخي .. دع عنك هذا .. لا تقتلني .. لا ترتكب إثماً بقتلي .. إذا كان هذا هو قراركم الأخير وحكمكم عليّ .. فدعوني أنفذه بيدي .. لا أريد أن ترتكب جرماً بقتلي تندم عليه طوال حياتك .. سأشرب السم بيدي .. سأموت لأنقذك .. ولكن .. أقسم لكم بالله العظيم بأنني بريئة .. أقسم لك يا أخي بذلك .. أقسم لك يا أبي .. أقسم لكم جميعاً بالله العظيم بأنني بريئة .. بريئة … بريئة ..
تناولت الكوب بسرعة خاطفة .. سكبت ما فيه في جوفها دفعة واحدة .. سقطت على الأرض تتلوى بشدة .. وبعد لحظات سكنت.. وأطبق على المكان صمت رهيب … وسكون مخيف .
لم يبدد السكون والصمت المطبق سوى صوت طرقات متتالية على الباب الخارجي الموصد .. سارعت الأم لفتح الباب والجميع من خلفها .. دخلت الطبيبة المنزل بخطواتها الهادئة المتزنة .. هتفت بهدوء والابتسامة لا تفارق وجهها :
– عفواً أيها السادة .. فيبدو بأن هناك خطأً بسيطاً قد ارتكبته الممرضة عن غير قصد ؟؟!!‍‍ .. إذ أنها أعلمتكم بأن ابنتكم حامل .. وحقيقة الأمر بأنني كنت أفحص امرأة أخرى في الداخل .. وكان زوجها وذويها في غاية الشوق لسماع نبأ حمل المرأة .. ويبدو بأن لهفة الممرضة وتعجلها قد جعلاها تخطئ بعض الشيء ؟؟!!.. إذ اعتقدت بأنكم أهل المرأة الأخرى الحامل ؟؟‍‍!!..
أوه .. لقد كدت أن أنسى .. فإن هناك أمراً بسيطاً آخر يجب أن أعلمكم به … عليكم أن تتوجهوا حالاً بابنتكم إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية عاجلة لها .. لأنها تعاني بشدة من أورام خبيثة رهيبة ومستفحلة في بطنها ؟؟‍‍ .. هذا هو الأمر ببساطة أيها السادة ؟؟‍‍‍!! ….

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here