أحمد حضراوي إعلامي وأديب تميز بشعره الذي ارتقى به مدارج كبار شعراء العربية في مغتربه. ابن المغرب العربي الذي عمل جاهدا على توسيع دائرة فعالية نشاطاته لتشمل استضافة مبدعي الوطن العربي ببرنامج الديوان والذي تُبث حلقاته من خلال محطة بلجيكية أرضية محلية يحملها ديوانه الفضائيّ -مجلة الديوان- إلى متابعيه في العالم كله، يستقطب إبداعات هؤلاء شديدة التنوع في الأدب بأجناسه وفي فنون الرسم بأنواعه وفي المجال الفكريّ بأطيافه.
ميّز برنامجه الديوان بتقديم ضيوفه من خلال تكريمهم بأبيات من الشعر يصوغها خصيصا لتلك الحلقة أو يقتطفها من قصائده بحيث تناسب موضوع المقابلة ومضمون فكر الضيف أو تكون محورا للحديث أو تعبيرا عن الذات.
في هذه الحلقة جاءت الأبيات تحكي القهر والمعاناة التي عاشها ويعيشها العراق كوطن ومواطنين عبر التاريخ، تلخيصا لعذابات الإنسان في هذا الجزء من وطننا العربي الأبي، فالضيف مبدع عراقي مهاجر ترك الوطن بحثا عن انطلاقة حرة بعيدا عن الأذى الجسدي والنفسي، المادي والمعنوي، فكانت هذه الأبيات التي استقبل مقدم البرنامج بها ضيفه:
بلاد الدمع..
والدم والهوى
الفتان والأشواط
ومنبع كل جرح الناس
فوق منابر الأسباط
على قرطاسها حبر شقي
منهك مشتاط..
فكان استهلالا ممزوجا بالتكريم تبعته توطئة زادت الترحيب دفئاً ووداداً ومؤانسة، إذ نسب مقدم البرنامج ضيفه “مؤمن عدنان الوزان” إلى مبدعي ذاك الوطن، وهذا لعمري أرقى وأسمى ما يمكن لأديب أن يحوزه من تكريم إذ يذكر اسمه وسط ثلة نوابغ بلده حتى وإن نسب لهم كتلميذ أو كسائر على دروب إبداعاتهم، فمصير المريد أن يصبح شيخا يوما ما.
هذا الشاب المبدع الذي طالعنا وجهه من على شاشة البرنامج تستشعر من خلال هيئته وحديثه وحماسه البادي في حركاته وسكناته عمق تجذره العربي الأصيل، ليزداد هذا الشعور تأكيدا مع كل حديث له في الموضوعات المطروحة في الحوار المتميز أسئلة وإجابات.
وأقول ليس عيبا أن نهاجر إن وجدنا أن أرواحنا ستسجن أو تهدر أو تسرق منا، فأول الجهاد الحفاظ على الأنفس البشرية وأولاها أنفسنا نحن طالما لم نَجْنِ ما يستحق أن نبذل هذه الأنفس من أجله، طالما أن حربنا ستكون بيننا، طالما أننا إن تمسكنا بالبقاء علينا أن نُقتل أو نقتل واحدا من إخوتنا حتى وإن كان قد انحرف عن جادة الصواب، فليس من حقنا كأفراد أن ننصب أنفسنا قضاة.
هجرة هذا الشاب من عراقه الأبيّ كانت مجدية إذ تعرف على من أخذ بيده إلى طريق الأمان والسلام والتفاعل مع شخصيات ونواد أدبية فكرية متميزة كالمقهى الأدبي الأوروعربي، ولعله في مهجره يخدم بلده بصورة أفضل مما لو بقي هناك غير آمن على نفسه.
تساءل “أحمد حضراوي”: أين نضع هذا المبدع، أية خانة إبداعية يمكن أن ينتمي إليها، ما هو النشاط الذي يمكن أن ننسبه إليه، أين موقعه على خارطة الإبداع، أو بالأحرى أين نسلكه؟ وأجيب: أن هناك من المبدعين من يستعصون على التصنيف، فهم بذاتهم إبداع جديد تضيق عليهم تلك المسميات الجاهزة، يحطمونها، يمزقون تلك الشرنقات لينطلقوا آحادا غير آبهين بتلك القوالب الجاهزة، فهم أول من يحطمونها غير آسفين عليها.
مؤمن الوزان من هذا الصنف لن تضمه تلك القوالب أبدا، هو شاب طموح بسعى إلى التفرد وسيحوزه.
حياته تتناوب فيها حالتا القراءة والكتابة في نهاره وليله، إذ جعل منهما أسلوب حياة، وأية حياة هي هذه التي تُستغرق فيها الدقائق والثواني نشاطات وفعاليات ذهنية تحملنا على بساط التأمل والتخيل وعيش الحلم حقيقة وعلى الورق وبين كراريس الفكر والفن والأدب. هكذا حياة لا بد تخلق “وزانا” متميزا يعرف طريقه ويعرف كيف يسلكه.
مجالات اهتمامه متعددة تبدأ من المطالعة إلى كتابة الخاطرة فالشعر فالمقالة فالترجمة فالدراسة الفكرية التي تنتج عن تأمل للواقع وما أنتجه الآخر في مجتمعه. والترجمة تحمل في ثناياها كل ذلك.
كل ما سبق خلق إنسانا واعيا كان من أهم حصاده ترجمته لكتاب “نار وغضب” للصحفي الأمريكي “مايكل وولف”، فكان المؤشر على شدة وعي هذا الشاب أنه لم يترجم الكتاب بدقائق فصوله كله وإنما قام بعمل تلخيص أورد فيه كل ما يهم الإنسان العربي مما ورد في الكتاب.
لقد أراد المؤلف أن يُري “ترامب” للناس كافة من خلال أعين المقربين منه. وأراد مبدعنا الشاب أن يسرد حقيقة ما حدث في مؤتمر قمة الرياض، ذاك المؤتمر الذي تم فيه دفع المليارات لترامب، وتقديم الكثير من التنازلات. هذا الحدث الذي يمثل نقطة مفصلية ومحورية في عصرنا الرهن عامة وفي وضعنا العربي خاصة. وأحب أن أشير هنا إلى أن هذه الترجمة موجودة على مدونة “مؤمن الوزان” الإلكترونية.
في هذا الفضاء الإلكتروني الواسع الديمقراطي -الإنترنت- وجد الشاب ساحة جديرة بتواجده فيها، فقام بإنشاء مدونة وحساب شخصي له ونشط بالنشر عليهما ليوصل صوته، فكره وأدبه إلى كل من يرغب بالقراءة والإطلاع دون قيودأاو شروط، راغبا بالاتصال مع كل ذهنية متفتحة لأشخاص جادين مثله. فعل ذلك ليتجنب إشكاليات ومشاكل النشر ومعيقاته والصعوبات التي قد تواجه مبدعا صاعدا مثله.
من أعظم ما شدني إلى إتمام الحلقة والكتابة عنها بكل هذا التفاعل ذاك الوعي المتجذر فيه قيميا، ومدى اتساع إدراكه لكيفية التعامل مع الآخر المغاير لنا، الإنسان الأوروبي خاصة، المرونة والانفتاح وقبول الإنسان كما هو كونه إنسانا يمكننا التعايش معه. هذا من جهة، والتمسك بمجموعة قيمنا الأصيلة وأخلاقياتنا السليمة، وثوابتنا التي لا يمكننا التنازل عنها من جهة أخرى.