حوار مع الشاعر والكاتب الفلسطيني الدكتور مجدي معروف ــ ذ. نصر سيوب / د. فاطمة الديبي

0
2928

ــ “مَنْ أكون”: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على أحب أحباب رب العالمين..
السادة الأكارم أهل الأدب وأصحاب القلم..
أنا مجدي معروف فلسطيني أصلا، لبناني ولادة، دانمركي جنسية.
إحدى وأربعون سنة.
تخرجت في ألمانيا عالما بالأحجار الكريمة وخبيرا بالألماس، ثم أكملت دراستي في موسكو روسيا وتعلمت أسرار تصنيع الأحجار الكريمة لأهداف تقنية، كحجر الكوارتز للساعات وغيره من الحجارة التي تستعمل في الليزر لأهداف طبية وعسكرية.
وبعدها سعيت إلى تحصيل علوم اللغة العربية والشريعة ورحلت بنفسي إلى العلماء الأكابر، وحصلت على إجازات عالية منهم إلى جانب الدرجة العلمية، حتى حصلت على دكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية.
حصلت على شهادة عالية في تدريس اللغة الإنكليزية كلغة أجنبية من بريطانيا عام 2012.
الآن أقوم بشرح مبسط على شافية ابن الحاجب في الصرف، ومناسبة ذلك عهد أخذه علي أحد أكبر أساتذتي، حفاظا على هذا العلم.
ما زلت أعمل مستشارا أعلى متعدد اللغات.
وأحب التنبيه إلى أني تعاقدت مع مجلة (سيدتي) أربع سنين، ثم بسبب بعض الظروف القاهرة اضطررت إلى الغياب كليا عن الساحة الأدبية من سنة 2005 إلى سنة 2013 فبراير.

ــ “نزار قباني الثاني أم مجدي معروف الأول”: بالنسبة لإطلاق اسم (نزار قباني الثاني) علي، فقد تكرر من الكثيرين، لكنه أطلق رسميا من قبل الكاتبة اللبنانية هاديا سعيد. هذا يدل على تشابه كبير، أما أنا فأرى أني مجدي الأول.

ــ “الحالة الإبداعية”: الحال تختلف باختلاف طبيعة اللحظات وبالمزاج، وهذه حقيقة لا ينكرها من مارس هذه الصنعة.
بعض الأحيان عندي تكون الفكرة موجودة في قلبي ولا أستطيع كتابتها، وأحب أن أسميها: مرحلة الاختمار، وفي المقابل تجري الأبيات جريا بل تأتي كالسيل بل تكون كأنها معتقة منذ دهر طويل.
وسأعطي مثالا صغيرا عن معايشاتي وذلك كقصيدة (رشق العيون) فقد كتبتها بسرعة كبيرة جدا، ويقابلها قصيدة (أمر الهوى) فقد كتبت فيها بيتين سنة 2000 وهما:
عجيبٌ أمرُ حبّكِ يحتويني … يُواسيني ويُنسيني سنيني
ويجعلني كطفلٍ في ربيعٍ … تنفّس فيهِ سحرُ الياسمينِ
ثم حاولت الكتابة وفشلت وبقيت أحاول حتى خرجت بقية الأبيات من قلبي دفعة واحدة سنة 2013.
قصيدة أحبها جدا وقد كلفتني 13 عاما من عمري، وهي من قصائدي المحببة إليّ جدا بجميع معانيها.

ــ “ماهية الكتابة”: نظرتي للكتابة هي أن الكتابة – باعتبار الأصل وهو القلم – أحد اللسانين؛ فهي نطق بالحروف على الورق، وذلك لأن الكتابة أو الشعر في نهاية المطاف يُوصلان صورة يريدها المؤلف أن تصل، يترجم بذلك فكره في المقال أو القصيدة، فإما أن تكون الصورة حسنة أو لا.
فهي ترجمة أو تعبير لما في عقل القائل، فهي فرع من النطق وقد قيل:
لسانُ الفتى عن عقلِهِ تَرجمانُهُ … متى زلّ عقلُ المرءِ زلّ لسانُهُ.

ــ “مقولة: لا إبداع خارج الهوية”: الأمر في غاية الأهمية وهو متجاذب الطرفين، إلا أني على يقين من أن لغتنا العربية هي الأوسع في مختلف العلوم.
بل هناك إبداع خارج الهوية، وخصوصا إذا تشرب أحدنا ثقافة غيره حتى ترسخ فيه الملكة التي تصدر منها الأمور بسهولة ويسر.
هذه تجربتي، فقد كتبت عن الأدب الدانمركي بأسلوب شعري فاجأهم من حيث ظنوا أنه أدبهم وهويتهم التي لا يعرفها غيرهم.
نعم، لقائل أن يقول إن مجدي معروف بعد نحو خمسة وعشرين عاما في الدانمرك وأوربا عموما صار أوربي الهوية، لكنه ليس دقيقا في نظري لأني عربي شرقي جدا، وأنا أسعى إلى إظهار جمال الأدب العربي للدانمركيين وغيرهم.
والخلاصة أنه يحسن جدا بالشاعر والكاتب وكل ذي علم أن يستفيد من حضارات مختلفي الهوية، ويختار أحسنها ليزيد من حلاوة كتاباته في موضعها المناسب وبالقدر المناسب.
فالقول بأن لا إبداع خارج الهوية مخالف للحس.

ــ “الشعر والحداثة”: بالنسبة للشعر في هذه الأيام مع موجة الحداثة العارمة – والحق يقال – فيها حسنات وسيئات، لكني أرى السيئات أكثر، وعلى رأس هذه السيئات مخالفة البلاغة والفصاحة بدعوى الرمزية.
كما نعلم أن أئمة الأدب نصّوا على أن من شرط الفصاحة خلو الكلام من التعقيد اللفظي والمعنوي.
والرمزية والسريالية كلاهما معقد، وأنا نفسي رغم دراستي لهما لا أفهم إلا النزر القليل.
وما أجمل السهل الممتنع، وقد قال الإمام ابن رشيق في كتابه في نقد الشعر إن أحد الأكابر سئل عن أفضل الشعر فقال:
(ما رضيَته الخاصة وفهمَته العامّة.)

ــ “قصيدة النثر”: بالنسبة لما يُسمى (قصيدة النثر) فهذا اختراع لا علاقة له بالواقع، وقد دار نقاش كبير بيننا عن هذا الاسم، والذي يبدو واضحا أنهم يقصدون بالشعر هنا “التغني” أو “الموسيقى”.
قال عليه الصلاة والسلام:
(أنا النبيّ لا كذب … أنا ابنُ عبد المطّلب).
ولم يعدّوه شعرا، والله تعالى أنزل فيه: (وما علّمناهُ الشعرَ وما ينبغي له). فمن باب أولى أن يكون ما دون هذا غيرَ شعر.

ــ “وظيفة الشعر”: أما وظيفة الشعر في قضايا الوطن فهو تأثير بليغٌ وخطير جدا في الحقيقة، وقد درسنا في علم المنطق (الحجّة الشعرية) وهي التي تكون شعرا تستعمل كالحجة في تزييف الحقيقة أو قلبها، كما لو ضرب إنسانٌ إنسانا فصفح عنه كرما، فقام آخر وتلا بيتا من الشعر في ذم الجبناء الذين إذا ضُربوا ما تجرّأوا على الرد، فهذه الحجة الشعرية سبب لجعل ذلك الذي صفح يقومُ إلى الضارب ويرد له الصاع صاعين.
ويمكنك أن تتصور مدى تأثيره في خدمة القضايا عموما.

ــ “فلسطين”: أما فلسطين فهي كما قلت عنها:
فتلك حبيبتي الكبرى
وتلك مصيبتي الكبرى
أغازلها بأشعاري
وصورتها على صدري
على ناري..

ــ “إبداع الاغتراب”: إبداع الاغتراب له بصمته الخاصة، لكنه بمثابة دمعة على خد قصائد هذا الشاعر.

ــ “تجربتي مع فرقة المشاريع للإنشاد الديني”: بالنسبة لعملي مع فريق المشاريع وهو من المؤسسات الضخمة جدا عالميا، فقد كانت وما زالت تؤتي أكلها، ثمرا طيبا إلا أني لا أعمل ضمن هذا النطاق إلا بقدر 10 بالمائة أو أقل.
الحمد لله وتحدثا بنعمة الله أقول إني قد أضفت إلى هذا الطريق لمسة جديدة، فكتبت بأسلوب جديد ضجت به أنحاؤهم وكان أشبه بأسلوب فيروز عندما تغني للرحابنة كعمل متكامل من الكلمات واللحن، وذلك يظهر في: (عم يمضي الزمان)..
باب خير دخلته دون تردد طلبا لنقطة بيضاء في صحيفة أعمالي المظلمة.
أما البعد المضاف إلى أبعاد فكري وشعري فهو أن يكون المدح لائقا بالممدوح، وذلك يكلفك عصارة فكرك وأنعم بها تكلفة.
بعض الناس بسبب حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم يقولون كلاما لكنه لا يفيه حقه ولا يليق بمقامه الأسمى والأعلى مطلقا، وذلك كقول بعضهم: (يا حبيبي كنت وتبقى حبيبنا)، وهذا الكلام أنكرته على قائله من باب تقصيره، فأين الجديد في هذا ؟ لا جديد ولا بلاغة غير أنه قاله محب لحبيبه.

ــ “حبي للغة العربية”: في الحقيقة سافرت لدراسة الأدب الإنكليزي وكنت دون الثامنة عشرة وكنت في طفولتي أنهي السنة الدراسية في عطلة الصيف بدلا من دراستها كاملة كما نصحت به المدرسة التي كنت فيها والدتي بقولهم: (حرام، مستواه أعلى من عمره).
لكنها كانت مدرسة متخصصة باللغة الإنكليزية بتفوّق ومع ذلك كنت أكتب الشعر العربي وأنا ابن سبع سنين، وسمعت مرة وأنا صغير عن مسابقة في لبنان للشعر العامي (باللهجة اللبنانية) فكتبت دون أن أشارك:
أوراق الشجر عم تسقط
عمفارق الطرقات
والتلج زاد وكترت الغيمات
والبرد قال لي بقلوبن ما في دفا
خلي الدفا بقلبك يحضن الأنات

وتكسرت الورود وحبات المطر
متل الدموع تنزل على غصونا

شو بتنفع الوردة إذا الغصن انكسر؟
شو بتنفع البسمة والدمع بعيونا؟

وهكذا لم أتوقف عن حبي للعربية، وترجمت أغاني أم كلثوم وأنا صغير إلى الإنكليزية، فكل أعمالي كانت مرتبطة باللغة العربية وهي دون شك أشرف اللغات وأوسعها ولا تُجارى ولا يشق لها غبار في أي باب من أبواب فنون اللغة.
حتى اللغة السنسكريتية رغم اتساعها لا تقاوم اللغة العربية ولا تقاويها.
فتعلقي باللغة العربية فيه لمسة أزلية والحمد لله على هذه النعمة العظيمة.
كنت أخجل أن أكون عربيا ولا أعرف لغتي معرفة حقيقية، فحفظت مئات الشواهد على لغات العرب، ويسّر الله لي من العلماء ما لم يتيسر لغيري، لكنه ممزوج بشراب إصراري، فكنت أرحل إليهم وأنام على الأرض أو حيث اتفق لي النوم مقابل بعض صفحات آخذها مضبوطة بالمشافهة وهكذا بدأت تكتمل الصورة.
أما شرح شافية ابن الحاجب في الصرف؛ فهو وصية لا يسعني سوى تنفيذها من أجلّ معلميّ ومربيّ.

ــ “الميول المبهمة في الكتابة”: بالنسبة للميول المبهمة فهي كذلك وهذا طبعا بعد الاطلاع على المدارس الأدبية والفكرية المختلفة، أما أنا فكنت دائما بطبعي الذي ولدت فيه كما تراني الآن، وإذا اتسع عندي الأفق الفكري واتسعت دائرة العلوم فسوف تزيد ما أنا فيه دون تغييره.

ــ “العفوية وتلاطم الأمواج المعرفية”: إنه أمر يصعب اختصاره في سطور، لكن بما أن هذا طبع، وأنا إذا كتبت أتحاشى اللفظ المبهم وأفر فراري من الأسد من الصور الغامضة والتي ترهق العقل، فتراها كلها اجتمعت عندي وقت الكتابة:
– العفوية
– البساطة في التعبير وهذا بطبعي وعن عمد معا.
فعليّ الربط بين أبسط الألفاظ وبين أبعد الصور، وقد لا يستطيع أحدنا أن يصل إلى هذا فتراه يعاني من التحايل على اللفظ أو إضافة حشو لتتميم الوزن.
لكن بحمد الله لا أعاني منه إلا نادرا، وإن حصل فإني أجتنب البيت أو القصيدة كلها.

ــ “أفضل الشعر”: أفضل الشعر ما كان حوليّا، فكيف إذا راجعته بعد عشر سنين أو أكثر، الحياة كفيلة بزيادة فهم الشخص للحياة والخبرات وهو الذي يسكبه على الورق، حتى في سياسة الحب وهي سياسة حرب في كل مرة يكتسب جديدا من كل قلب يطرق بابه، فيأتي بجديد على الورق.

ــ “شكر وتقدير”: لقد كان لي هذا الشرف، وسروري سبق سروركم بهذه المقابلة، ومن محاسن الزمان أن أجتمع بأناس أفاضل أصحاب فكر مستنير أمثالكم.
لا أقولها مجاملة، بل إن معاناتي كبيرة ممن لا يفهمون حديثي إذا ناقشتهم، ولا يفهمون دليلي إذا أتيت به.
فالحمد لله على معرفتي بكم، وهذا كان ساطعا في طبيعة أسئلتكم، لأن: حسن السؤال نصفُ العلم.
أحبكم وأحترمكم وأشكركم..
وفقكم الله..
مجدي معروف – بيروت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ أجري الحوار مع الشاعر الدكتور مجدي معروف بتاريخ 27 ماي إلى غاية 02 يونيو 2013 .

ذ. نصر سيوب _ د. فاطمة الديبي
ذ. نصر سيوب _ د. فاطمة الديبي

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here