حَدِيثُ القَهْوَةِ ــ مصطفى طاهر

0
797

 هلَّتْ فأشرقَ نورٌ منْ مُحيَّاها
وأقمرَ الليـلُ وضاءً بِرُؤْيَاهَا
كَأَنَّهَا الشَّمْسُ قَدْ هلَّتْ بَشَائِرُهَا
وَأَيْقَظَ الفَجْرُ نُوَّاراً فَحَيَّاهَا
تَنَفَّسَ الصُّبْحُ فَوَّاحاً بِهَمْسَتِهَا
وَطَائِرُ الشَّوْقِ بِالأَشْجَانِ نَاجَاهَا
تُدِيرُ بَسْمَتَهَا بِالسِّحْرِ صَافِيَّةً
وَتَسْكبُ الخَمْرَ فِي الأَلْبَابِ عَيْنَاهَا
تَشْدُو وَتَغْلِي عَلَى نِيرَانِ مُهْجَتِنَا
فنْجَانَ قَهْوَتِهَا وَالنُّورُ يَغْشَاهَا
مُرّ المَذَاقِ غَدَا حُلْواً بِرَشْفَتِهَا
وَعَطَّرَتْ بِعَبِيرِ الثَّغْرِ سُقْيَاهَا
تَرَاقَصَ البُنُّ فِي فنْجَانِهَا وَلَهاً
شَوْقاً لِرَشْفِ الَّلمَى لَكِنَّهُ تَاهَ
وَكَادَ يَسْقُطُ نَشْواناً بِخَمْرَتِها
حَنَتْ عَلَيْهِ وَضَمَّتْ فِيْهِ كَفَّاهَا
وَأَدَّبَتْهُ وَقَالَتْ: لا تَكُنْ جَشِعاً
شِفَاهُنَا رُصِدَتْ بِالسِّحْرِ سُكْنَاهَا
فَهَامَ مُضْطَرِباً يَهْفُو لِرَشْفَتِهَا
وَرَاحَ مُعْتَذِراً بِالشَّجْوِ نَادَاهَا
تَبَسَّمَتْ خَجَلاً تَسْمو بِرقَّتِهَا
وَعَانَقَتْهُ بِفيضِ العَطْفِ يُمْنَاهَا
وَأَسْكَنَتْهُ عَلَى ثَغْرٍ مُنَمَّقَةٍ
فَرَاحَ يَلْثُمُ فِي شَوْقٍ ثَنَايَاهَا
وَذَابَ وَجْداً وَلَمْ يَبْرَحْ مَرَاشِفَهَا
إِلا عَلِيلاً قَتِيلاً عَاشِقاً فَاها
تُدِيرُ قَهْوَتَهَا فِي كَفِّ فَاتِنَةٍ
وَيَحْضنُ السِّحْرَ وَالأَطْيَابَ جَفْنَاهَا
وَكَمْ سَقَتْنَا بِلَحْظٍ سَاحِرٍ أَلِقٍ
عَلَى شفَا جَدْوَلٍ يَجْرِي بِرَيَّاهَا
تَحْدُو مَوَدَّتَنَا نَاعُورَةٌ صَدَحَتْ
بِالشَّوْقِ وَاغْتَسَلا بِالدَّمْعِ عِطْفاهَا
وَأَسْكَرَتْنَا وَتَاهَ الفِكْرُ فِي شَغَفٍ
وَالقَلْبُ يَصْرَخُ مِنْ وَجْدِ الهَوَى آها
خَوْدٌ يُباهِي ضِيَاءَ البدْرِ مَطْلَعُها
.سرّ الجَمَالِ إِلَهُ الكَوْنِ أَعْطَاها
حَسْنَاءُ قَدْ لَبِسَتْ ثَوْبَ العَفَافِ رُؤى
وَأَيُّ حُسْن تَرَاءى مَا تَعَدَّاهَا
أَلْقَتْ لَوَاحظَهَا فِي القَلْبِ قَاتِلَةً
وَلَوْعَة العِشْقِ فِي وَجْدٍ حَمَلْنَاهَا
يَصْحُو الصَّبَاحُ وَيَلْقَانَا عَلَى وَهَجٍ
مِنَ الجَوَى وَيَضُوعُ النُّورَ خَدَّاهَا
وَمَا أُحَيْلَى صَبـَاحاً كَانَ يَحْضُننَا
بَيْنَ الخَمِيلِ وَتشْــجِينَا بِنَجْواهَا
فِي سَاعَةٍ هَرَبَتْ مِنْ عُمْرِ غُرْبَتِنَا
كَادَتْ تَمُوتُ وَوَهْمُ الحُبِّ أَحْيَاهَا
عشْنَا بِهَا حُلُماً وَالحُزْنُ يَغْمِرُنا
عَلَى الشَّآمِ وَكَمْ نَشْتَاقُ لُقْيَاهَا
نَغْفُو عَلَى نَصَبٍ نَصْحُو عَلَى وَصَبٍ
وَبَسْمَة الثَّغْرِ مِنْ هَمٍّ نَسَيْنَاهَا

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here