لقاء الإعلامي منصف بلقرشي بالشيخ رضوان بنعبد السلام – جميلة الكجك

0
1213

ديننا وما يحتويه من عقيدة وشريعة وقيم ومبادئ من المفروض أنها تشكل شخصية الإنسان المسلم في ذاته وترسم للآخرين صورة بهية حقيقية له وعنه، تتضح لهم من خلال مظهره وسلوكياته. نحن إذاً كبشر نواجه الآخرين بحقيقتين هما ما نكنه من معتقدات وقيم وما نظهره من قول وعمل، وبعد ذلك لا يهم أن يكون لنا مظهر معين أو لا يكون، لأن المظهر الخارجي يتعلق بالهوية الوطنية أو القومية لا غير أو بما يمكن أن ندعوه المظهر المعاصر. والشخصية السوية تتطابق الحقيقتان لدى صاحبها أينما حل وارتحل -أقصد القيم وما ينتج عنها من سلوك- في دياره التي هو مواطن أصيل فيها، أو في ديار غربته، أو مجرد زائر أو سائح.

في هذا اللقاء لمذيع قناة “مغرب تيفي –  Maghreb TV منصف بلقرشي مع شيخ ذائع الصيت هو “الشيخ رضوان بنعبد السلام”، الشيخ الذي أصبح ظاهرة ملفتة للنظر سواء في وطنه المغرب أو في بلاد المهجر الأوروبية وصولا إلى الولايات المتحدة لانتشار فيديوهاته ومقابلاته على اليوتيوب، وهذه أول مقابلة له على قناة تلفزيونية رسمية. الرجل يتابعه عدد هائل من المشاهدين المتأثرين به أو أولئك الذين يدفعهم الفضول للتعرف عليه حتى وصل عدد مشاهدات بعض فيديوهاته إلى الملايين. لهذا الشيخ حضور مميز وفاعل فرض نفسه في مجتمع المغاربة سواء مغاربة الداخل أو الخارج، حتى أصبح في نظر الكثيرين مثالا طيبا يقتدى به في مجال الوعظ والإرشاد والخلق القويم، وحسن التعامل مع أسرته وأفراد مجتمعه، وكيفية ظهوره في فيديوهاته.

تميز اللقاء بتركيز مقدم البرنامج على تلك القضايا التي تهم المغاربة المقيمين في دول المهجر الأوروبي لحيوية تلك القضايا التي تعالج واقعهم بعيدا عن وطنهم الأم، وتمس أسس حياتهم مع الآخر، وهو هنا الإنسان الأوروبي كون القناة تبث من “بروكسل” في “بلجيكا”. تطرق مقدم البرنامج والشيخ إلى موضوعات كثيرة منها العقائد والقيم والمعاملات والتشريعات كالزواج والطلاق مثلا، والعبادات والمساجد في ديار الغربة، وأهمية تعلم اللغة العربية لأبناء المغتربين كونها مكون هام من مكونات الهوية الذاتية وصلتها بالأصول والجذور للمغتربين هناك. كما أثار كثيرا من القضايا التي يعيشها الإنسان كإنسان يمارس حياته الطبيعية في مجتمع سوي. وتطرقا إلى تعنت بعض الفقهاء في مثل هذه المسائل حيث جعلوا أساس الفقه التحريم فضيقوا على الناس رغم أن الدين دين يسر، لم تحرم نصوصه إلا ما صرحت بتحريمه تصريحا مباشرا لا لبس فيه، وهي إن قيست إلى الحلال لم تأخذ إلا حيزا ضيقا، فالأصل في الأمور “الإباحة” ما لم يرد عكس ذلك.

أركز هنا كمتابعة للقاء على شقين فيه، الشق الأول هو مظهر الشيخ الملتزم بزي بلاده التقليدي واللحية، وليس في زيه هو شخصيا مشكلة ما، فهو زي تقليدي ما زال معاصرا يعتز به المغاربة كما نعتز نحن بلباسنا الوطني في الأردن وفلسطين وسائر الدول العربية، لكن هذا اللباس والالتزام به ذكرني بلباس بعض ممن يحاولون التقيد بلباس معين ليكون رمزا دينيا لفئة معينة ممن يتبعون الدين الإسلامي -لباس أولئك أراه لباس شهرة لا يمت إلى الدين بصلة-، ولباس الشهرة قد ذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا أود هنا ذكر فرق معينة، واللحية بحد ذاتها ليست سنة مؤكدة. أما الشق الثاني فهو الفكر الذي يعتنقه. ففي الشق الأول لي موقف منه قد لا يعجب الكثيرين لكنه لا يتعلق بالشيخ “رضوان”، بل بأولئك الذين يلتزمون ما يسمونه لباسا “شرعيا”، فطالما نحن نعيش في عصر ما ونريد أن نكون فيه فاعلين ومؤثرين يتقبلنا الغير مهما كانوا وأيا كانوا فعلينا ألا نكون غرباء بينهم وكأننا جئنا من كون آخر غير كونهم، فدوما الغريب يتهيب الناس التقرب منه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا ابن بيئته وفردا من مجتمعه وإن علا شأنه وهذه سنته، فقد كان يأتي مجلسه من يود الاستفسار عن دعوته فلا يعرف أي الجالسين هو إذ لم يكن يتميز عن المحيطين به لا بمجلس ينصب له ولا بلباس ولا بشكل إلا اللهم وضاءة وجهه. فلم لا نقلده في سنته هذه ولم نحاول أن نتمسك بهيئة كانت للعرب أو للرجال آنذاك من لباس ولحية ونقول هذه سنة واجبة ونجعلها والفرض الديني في الدرجة ذاتها، فنخسر إمكانية تقرب الناس منا عامة. نعم قد يكون لتمسكنا بهذا الشكل إيجابيات لو أننا حافظنا على قيم وأخلاقيات حبيبنا المصطفى -رغم أن هذا مجرد وهم-، أي مجرد التمسك بشكل معين محدد وكأنما نقولب شخصياتنا في قالب واحد نستنسخ منه كل فرد مسلم في أي مكان من العالم وهذا بحد ذاته أمر غير محمودة نتائجه، لأنك حين تلتزم تجمل هذا الشكل ولكنك حين تميل عن روحه الحقيقية تسيء إليه. مقابل هذا التمسك بشكل معين نترك التأسي بالحبيب “صلى الله عليه وسلم” فيما هو أهم وأجدى من تطبيق لقيم الإسلام، ونتمسك بمجرد قشور لن تضيف لنا أو لمجتمعاتنا شيئا. ولا أريد هنا تكرار ما قاله هذا الشيخ النير الفكر في هذا اللقاء.

هذا رجل منظم التفكير عميقه، واقعي النظرة إذ أن أهم ما يتميز به تبسيطه للأمور دون الإخلال بمفاهيم الدين أو الانتقاص من أهميته في الحياة، بل ربما يكون من أكثر الشيوخ تطبيقا لها. فالدين عنده يعني الابتعاد عن الحرام لا عن الحياة. أن نعيش حياتنا بكل أريحية لكن دون تجاوز مسلمات الدين وعقائده.

منذ بداية اللقاء قدم تشريحا للشخصية المغربية التي تحضر في ذوات المهاجرين من الوطن الأم إلى الدول الأوروبية، ووضح لنا سمات الشخصية الأوربية ذاتها التي تحضر في ذات الإنسان الأوروبي الأصيل.

أهم ما لفتني في فكره أنه قدم لنا تشخيصا حقيقيا وسليما لكلا الشخصيتين، العربية القادمة من موطنها الأصلي والتي تحمل ثقافة ليست بالإسلامية الحقة بل هي مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف العشوائية غير السليمة والتي تحمل في طياتها الكثير الكثير من بذور العنف والأمراض الاجتماعية، ومقابل ذلك الشخصية الأوروبية التي تتمسك بقيم حضارية أوصلتها إليها خبرة الحياة ومعاناتها فيما بينها حتى توصلت بالعقل والتجربة لتطبيق دستور أخلاقي غير مكتوب ولا هو مفروض عليها فرضا، لكن تقبله النفس السوية أيا كانت، إذ يلتقي هذا الدستور الأخلاقي مع وحي السماء. ووضح الشيخ أن الدين الإسلامي يتفرع إلى عقيدة من جهة ومعاملة وأخلاق من جهة أخرى، ونحن لم نفقه عقيدتنا حق الفقه ولم نطبق تعاليم ديننا الأخلاقية ولم نتمسك بقيمه، وأهم تلك القيم هي تلك التي تفصل طرق تعامل الغريب بين أهل بلد ما والتي تعني قدرته على التعايش السليم معهم وهم أولئك الناس الذين يعيشون قيمنا الإسلامية ويحققونها في تعاملهم مع الجميع مقابل تفريطنا نحن بها. التعايش قيمة يحرص عليها الإسلام ونحن قد فرطنا بها سواء في أوطاننا أو محلات إقامتنا.

تحدث الشيخ رضوان كذلك عن دور الجامع والمسجد في تربية الذوق والعقيدة والقيم وكافة تعاليم الإسلام التي تعلي من قيمة الحياة كقيمة مقدسة والتي لا يمكن أن تطلق للمجتمع أفراد يعانون من خلل نفسي يدفعهم للإساءة إلى الغير، لكنه نبه إلى تقصير رجال الدين في المهجر من احتضان الشباب المسلم بالوراثة أو الذين أسلموا عن رغبة ورضى. كما تطرق إلى فائدة تعلم اللغة العربية لأبناء المقيمين في ديار الهجرة كي يبقوا على اتصال بأصولهم وبدينهم.

حقيقة قد عالج مقدم البرنامج والشيخ قضايا حيوية تهم المقيم أينما تواجد كقضايا التربية والتعليم وقدم نقدا واضحا وصريحا ودقيقا لها، كما انتقد عدم تقديم دولة المغرب والمهاجرين أنفسهم حلولا لمشكلات المغتربين، وهم قادرون على فعل ذلك ولا يعود التقصير في ذلك إلا إلى تقاعسهم.

من الموضوعات الرائعة التي تمت مناقشتها بكل صراحة وحضور لبق لهذا الشيخ علاقة الزوج بزوجته، وتقديم المثال الطيب الذي حققه الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الواقعية، وأقصد بها إشهاره لحب خديجة وعائشة رضي الله عنهما، واعتباره أن الزواج العرفي نوع من أنواع السرقة.

من أروع ما سمعته منه قوله: أدافع عن المظلوم أيا يكن دينه أو عرقه، فالظلم ظلمات بوم القيامة. كما أعجبني أسلوبه في نقاشه لمفهوم السلفية، واعتباره أن الأمة التي لا تهتم بالتعليم تصبح في مؤخرة الدول، وأن زخرفة المساجد هدر للمال العام، ذلك المال الذي كان من الأوجب أن ينفق على ما يهم المواطن كإنسان وكيان يحتاج إلى ما يحقق إنسانيته.

انتقد مواقف ودور الفقهاء ورجال الدين داخل المساجد وتقصيرهم في احتواء الشباب المسلم في ديار الغربة أو إعطاء المثل الأعلى لمن يعتنق الإسلام من الأوروبيين. تحدث عن كيفية العيش بسعادة ضمن أصول ديننا ودون الخروج عنها.

شخصية محببة للشباب قريبة منهم لأنها لشاب مثلهم. فهو وأمثاله ظاهرة إيجابية في عالمنا الذي يزخر بالسلبيات. بسيط وسط التعقيدات التي تحيط بنا، يدعو إلى الحب في خضم الكره المنتشر بيننا. يوحي بملامحه الطيبة بالأمان والسلام مقابل التجهم الذي يخيم على وجوه الناس وملامحهم، يعيش حياة طبيعية تماما هو وأسرته. لكنني لاحظت في أحد فيديوهاته أن زوجته ترتدي الخمار وهي وسط البحر تسبح بصحبته وصحبة بناتهما، هذا كما يقال خيار شخصي حر لكنني أراه مجرد تزمت يحرم المرأة من ممارسة حياتها كما يجب، خاصة وأن الخمار أو النقاب موضوع مختلف فيه من قبل علماء الدين والفقهاء أنفسهم.

لكل ما سبق أرى أن هذا اللقاء كان ذا جدوى للمشاهد ومحل فخر أن يكون من شبابنا من هم كذلك، وقد أعجبتني تلقائية المذيع الراقية وطريقة إدارته للحديث مع الضيف دون تكلف، والتركيز على القضايا التي تهم المغترب والجالية هناك ككل. شكرا لكم جميعا، الإعلامي منصف بلقرشي، الشيخ رضوان بنعبد السلام، والأديب الشاعر الإعلامي أحمد حضراوي. كما لا يسعني إلا أن أنوه بقناة مغرب تيفي التي تثبت مرة أخرى أنها منبر نزيه وواع، لخص رسالته في نشر رسالة المحبة والسلام والتعايش، وتلك لعمري أسمى الرسالات الإعلامية التي ننشدها ونسعى إليها.

 

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here