بعد التأمل في مسيرة التواجد الإسلامي في إسبانيا والبحث في منجزات القائمين عليه والوقوف على أهم المحطات التاريخية له، تستوقفنا عدة تساؤلات ندلف بها إلى تحليل هذ ا الموضوع الذي تغافل عنه كثيرا أصحاب القرار من أهل البلد، والمسؤولون على الهيئات التمثيلية والجمعيات الناطقة باسم الإسلام.
الكل يعلم أن الإسلام بعد محاكم التفتيش وبعد تشريد المسلمين صار مغيبا ولم يعد يذكر له أثر في مجتمع شبه الجزيرة الإيبيرية وذلك على عكس ما شاهدناه في كل الأراضي والدول التي دخلها، حيث ما زالت تحتفط ببقايا هذا الوجود حيث لا تزال شاهدة عليه بعض المساجد التي ما زالت تقاوم الزمن في بلدان البلقان مثلا أو بعض التجمعات والإثنيات التي احتفظت بهوياتها الدينية في الصين، أو اللغة التي ما زالت تسكن قواميس كثير من البلدان التي احتك بها الإسلام تاريخيا كمالطة وصقلية، وهذا راجع بالأساس إلى شراسة محاكم التفتيش ومدى الحقد والعنف الذي واجه به الإسبان رعاياهم من المسلمين.
بعد البعثات الطلابية من بعض العواصم العربية إبان الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عادت الحياة تدب في أوصال الدين الإسلامي بتشييد بعض المراكز الإسلامية وفتح بعض أماكن العبادة الخاصة بالطلبة، وبدأ الإسلام يعود إلى الحياة الإسبانية عبر تمظهرات اجتماعية بسيطة تتجسد في بعض التجمعات الطلابية والعمالية والتي بلغت ذروتها مع موت فرانكو وعودة الديمقراطية إلى البلاد والتي توجت هذا الوجود بالاعتراف الرسمي بالإسلام عام 1992 في إطار ما صار يعرف بقانون الحريات الدينية أيام حكومة الاشتراكيين.
استبشر المسلمون خيرا بهذا القرار التاريخي الذي أعاد الاعتبار لدين بات يشكل جزء لا يتجزأ من مكونات المجتمع الإسباني.
لكن بعد مضي 30 سنة على هذا الاعتراف بات ضروريا التوقف وإلقاء نظرة إلى الخلف لمساءلة بعض هذه الإنجازات، لذا فقد حق لنا أن نتساءل: ماذا تحقق للمسلمين في إسبانيا بموجب قانون الاعتراف؟ كم من مدرسة إسلامية فتحت وكم من مسجد لائق بني وكم من أستاذ للتربية الدينية وظف في مدارس إسبانية، ناهيك عن حق المسلمين في انتخاب من يمثلهم سواء في البلديات أو في قبة البرلمان؟
وهل المستشفيات والسجون والمدارس تخصص لمرضى المسلمين وسجناء المسلمين وأطفال المسلمين ما يلزمهم من لوازم التغذية والتطبيب ما يوافق قناعاتهم الدينية؟
وهل يتمتع العمال المسلمون والطلبة المسلمون بعطل رسمية للاحتفال بأعيادهم كما هو الشأن مع باقي أتباع الديانات الأخرى؟ كم من مكان مخصص لإيواء الشباب وأطفال المسلمين وتعليمهم وتثقيهم وإدماجهم في برامج اجتماعية هادفة؟
كم من إمام علموه الثقافة الإسبانية واللغة الإسبانية والحياة العامة الإسبانية حتى يمفصل خطابه مع السياق المجتمعي الإسباني المتنوع ديانة وثقافة؟
أكاد أجزم أن لا شيء من هذا قد تحقق إلى الآن، لذا لا نستغرب من وجود أصوات وصيحات غضب تنبعث من داخل المجتمع الإسباني بسياسييه وبمثقفيه لشجب هذا الوضع المزري الذي آل إليه وضع المسلمين في هذا البلد.
ولا يفوت هؤلاء أن يرغموا الحكومات الإسبانية المتعاقبة على تحمل مسؤوليتها الأخلاقية فيما وقع من عمليات إرهابية وقد أبرزوا في أكثر من مناسبة ذلك الضغط النفسي الحاد لدى الشباب الإسباني المسلم الذي يعامل معاملة الغريب في بلده حين قتلوا فيه نزعة الانتماء لهذا البلد، فلا غرابة إذن إذا ما جنحوا للتطرف وارتموا في أحضان “البروباغاندا الداعشية” التي تحصد الشباب حصدا.
إننا نسأل القائمين على الهيئات الإسلامية والجمعيات الممثلة للدين الإسلامي والمخاطبين الرسميين لدى السلطات الإسبانية، كم من تقرير رفعوه إلى المحكمة الدستورية لشجب هذا الوضع.
كم من تقرير رفعوه إلى لجنة حقوق الإنسان في جنيف قصد إطلاعهم على الوضعية المزرية التي آلت إليها الحقوق الرئيسية للمسلمين والتي يصونها دستور البلد.
إننا نؤكد لهم أن الدولة الإسبانية لا تستجيب لمطالب المسلمين مادام هؤلاء لم يشكلوا قوة ضغط أو لوبيا سياسيا أو اقتصاديا تجعل الدولة تضعهم في حسبانها إزاء أي تحرك سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي وسيظل المسلمون الإسبان والمهاجرون يعانون نفس الوضعية ما لم يوحدوا صفوفهم في جبهة سياسية اقتصادية اجتماعية تفرض نفسها على المشرع والسياسي والمنفذ الإسباني.