سأعاقبك بقصيدة ٠٠!!
” أخبرها ذات صباح :
تعرفين كم أحبّكِ؛
لكن
كُتب عليّ أن أنشغل…
ألقاكِ في أوّل فرصة.
أجابته:
أخشى الّلحظة التي تتكدّس
فيها لحظات الشوق،
فلا تعود الّلحظة،
ولا الّلحظات تكفي “.
***
لا أحتاجك أيّها المطر
لأداوي جرح الحرف
كلّ المرايا تكسّرت على حافة الضوء
وكلّ الأحزان أقامت على ضفّة القصيدة..
فالجرح غائر في الّلحم
والّلحن يشهق نغمته الأخيرة.
٠٠٠٠٠
وهي تذكرنا في هذه المقطوعة بالشاعر الفلسطيني محمود درويش في قوله خبز أمي ؛ حيث تقول شاعرتنا فيها :
أرغفة أمّي لم تكن طازجة
كزهر نوّار…
حتى الرجل الافتراضي الذي كانت تعانقه، خرج من كتابها ومضى…
غبشٌ يحيق بالمساء
ويأسر ضوء القمر في دنّ خمر
قابع في زاوية الغرفة ٠٠
أجل عزيزي القارئ الكريم من لبنان الأرز والجمال، والطبيعة والرومانسية، وواحة الفنون الجميلة، وصدى عبقرية الإنسان المبدع، هنا يصدح كطائر ألف الشدو والغناء في براح الغرام فترجم مشاعره بالقلم الذي جمع شتات الأحلام في تلاقي هكذا٠٠٠
كان لقاؤنا مع شخصية مسكونة بالحب في وادي الجمال ألا إنها الشاعرة الناقدة دكتورة نورين نصر سعد ذات التدفق الشعري..
دعيني:
أمارس فنون الكتابة على طريقتي،
تعبت من تنميق العبارة ومن دلال القصيدة…
تعبت من رعشة الأنامل ومن التّفكير في الحروف
أنا لا أريد قصيدة أرستقراطية
تحلق فوق الغيوم…
أريدها بدويّة الألفاظ،
تهدهد حزنا يرافقني منذ الطّفولة،
وتبحث معي عن ضحكة معلّقة فوق السّطوح.
نعم أليست هي القائلة :
قل لي ٠٠
كيف ألقاكَ
يا كلّ الكلّ في
كلّي
يا أنايَ المتوهّجة
في قلبي…
أنت الكلّ في واحد
وأنا الواحد في الكلّ
إن كنت أنت كلّي
فأنا البعض في الكلّ
آه من عشقي لك
حين يفنى بعضي في كلّي…
نشأتها :
وُلدت الشاعرة والناقدة اللبنانية دكتورة دورين نصر سعد في لبنان وتقيم في مدينة الكورة.
تعمل خبيرة في الّلغة العربيّة وآدابها، واختصاصية النقد في جامعة القديس يوسف (معهد الآداب الشرقيّة) في بيروت.
وترجمة قصائدها لعدة لغات منها الإسبانية، ولها دراسات نقدية متنوعة في فنون الأدب، وتشارك في الندوات والمؤتمرات.
* تقول د. دورين نصر :
أنا عابرة في بحار الصّدفة
أسرق حروفي من نجمة
لأكتب فوق جناح الّليل
أغنية
أعانق السّماء
لينضج حلمي
وتسقط فوق رأسي غيمة.
مختارات من شعرها :
تقول شاعرتنا الناقدة دكتورة دورين سعد في مقطوعة بديعة، توظف فيها أسرار البلاغة في تطريز لوحاتها الشعرية المصبوغة بالعشق والجمال، بعيون مبدعة ناقدة تختصر فيها لحظات العمر والذكريات :
أخالني على حافة السّطر
أرتق بعض الحروف،
ربّما انقلب المعنى
وصار المجاز يترنّح على أنغام الصّباح،
وصرت أقرأ كلّ الضّمائر :
أنتَ.
***
وفي مقطوعة شعرية أخرى بعنوان(حين كتبت… )، ترسم صورة خيالية تتوشح بالسواد والحزن مع المساء بلا روح، كأنها كتلة صماء متبلدة المشاعر تلعن حظها العاثر، ومن ثم تستدعي وطنا جريحا كعاشق فقد الحب في منتصف الطريق :
كتَبَت
والحزن شاردٌ في المساء
كسحابة أضاعت سماءها،
كفستان لا يجد امرأة تراقصه،
كدميةٍ رموها في كهف عتيف…
كتَبَت
والحرف يتعثّر في الولادة
والكلمات تتنهّد في حضن القصيدة
والضحكات الحزينة تعانق الطريق…
كتَبت
والندى يتساقط كالرذاذ،
والورد ينام في حوش الحلم،
والوقت أعمى،
لا أمل بولادة طائر الفينيق…
كتَبت
والنغمة في الناي جريحة
والأوطان ترفل بثوبٍ أصفر
والأسى يتمدّد على قارعة الرّصيف…
كتبَت
وهي تبحث عنكَ
تهدهدها ترنّحات همسات خفيّة
تعبر الأفق، فيولد حبّكَ
في قلب وطن جريح…
***
من أحرق أصابع الدمى؟
من أحرق أصابع الدمى
وأرخى حبال الّليل
وأشعل أبواب الرحيل؟
كلّهم باعوا حروف الّلغة
والثمن :رخيص
من أرهق جدران العتمة وراقص خلايا الورق على ضوء شمعة،
فانهارت الحروف وشحّ الزيت في جوف القنديل…
كلّهم ناموا فوق وسائد مبطّنة بدموع الموتى،
وأحرقوا رسائل الوصال المبثوثة في زوايا الحدائق الملوّنة…
والعمر، صار يركض وراء رغيف…
أفنيت عمري في كتابة القصائد
والمعاني كلّها صارت مطروحة بين زوايا الرّصيف…
تخثّر الحبر في أوردتي
ورحتُ أبحث عن قيامة للكلمة…
صادرتُ البحر وناجيتُ السّماء وجثوتُ أمام تلك الشعلة المضيئة خلف الحقيقة…
حلّقت روحي في ذاك الاتجاه كما يحلّق الطائر
نحو الجهة الدافئة من العالم… فخذلني الطريق…
تحطّم عهد التوبة:
صرنا نثمل من الألم حين هجرنا درب الأمل…
واحترقنا بنار الخريف…
ليتنا زرعنا في قلوب المساكين زهرة حرّة،
ليتنا سقينا العطاش
وخطنا ثوباً جديد…
أواه كيف احترقت أصابع الدمى وصرنا نعزف فوق الجراح تلك الأغاريد؟.
***
و نختم لها بهذه الملحمة :
تحت عنوان فلسفي ( كان عليّ… )، تتحدى الصعاب والمخاطر كغريق يحاول النجاة بين شاطئ البحر حيث تقول فيها :
كان عليّ أن أعبر البحر
لأعود بقطرة النّدى…
كان عليّ أن أصافح الموج
قبل أن أمرّر أصابعي فوق رمل الشاطئ
لألتقط تلك الحصاة المهجورة على
رصيف الذكريات…
كان عليّ أن أصغي إلى السّماء لأسمع
ما لم أسمعه من قبل،
وأتأمّل زرقتها
من تلك النافذة الصغيرة التي لا تطلّ على نجمة…
كان عليّ أن أنتظر الضوء
لعلّ العتمة تشرق من أقاصي الّليل….
كان عليّ أن أعرف
أنّ تلك الوجوه العابرة في الأفق
كانت بلا ملامح ولا رغبات ولا جروح…
كان عليّ أن أعرف
أنّ العزلة ماكرة
واليوم الذي لم يأتِ بعد.. قد يأتي حين تسقط
أحلامنا الضئيلة في غابة عارية إلّا من الألم،
هناك يرمي النهار معطفه، كما ترمي الأشجار أوراقها
لحظة يئنّ الخريف في موسم الفقدان….
***
ونختم لها بهذه القصيدة تحت عنوان ( أسمعك )، تقول فيها د٠ دورين سعد الشاعرة اللبنانية التي تحوم حول دوحة الشعر الرومانسي كطائر ألف الشدو والغناء في براح الروح بلا توقف حيث صدى حوار الحب ولحظة الاستماع :
أسمعك حين تصمت الّلحظات
ويشتعل (بريق الكتابة)…
أسمعك
حين تمطر (السّحب السود)
وتنبت وردة حمراء
بين ثقوب الجدار…
وفي الدفاتر القديمة
أسمعك
وأنا أعيش فوضى النهار
أبعثر ملابسي
فوق الأسرّة العتيقة…
أسمعك
حتّى يتعب الانتظار
من ألم الساعات الطويلة…
أسمعك
وأنت تهمس في قلبي
فتنضج الحروف على شرفة الحياة
وأعود طفلة صغيرة
أسمعك لأحيا
كلّما غبتَ عنّي
وصار صوتك قصيدة…
هكذا تجولنا مع الشاعرة والناقدة اللبنانية دورين سعد، بين ظلال قصائدها المركبة بمفردات تنطق بمشاعر تصور أنات الروح مع المتغيرات دائما.