وَجْهُ الْحَصَادِ الآخرُ..
الْحَقْلُ مَشْغُولٌ بِثَرْثَرَةِ الْمَنَاجِلِ..
حَوْلَ أَعْمَارِ النَّبَاتْ
وَمَوَائِدُ الْمَحْصُولِ مُرْسِلَةٌ بِطَاقَةَ دَعْوَةٍ مَفْتُوحَة..
لِلأَصْدِقَاءِ الْمُخْلِصِينِ مِنْ الْعَصَافِيرِ المقيمةِ..
في فروع الزقزقاتْ
وَالشَّمْسُ تَزْعَقُ فِي وُجُوهِ الْحَاصِدِينَ
لِيَسْمَعُوا وَجَعَ السُّكُوتِ عَلَى شِفَاهِ السُّنْبُلاتْ
وَتَذُوبُ نِسْوَانُ النَّدَى فِي خَوْفِهَا الْمَلْسُوعِ..
مِنْ غَضَبِ الزَّعِيقْ
بَعْدَ الْمُؤَامَرَةِ الَّتِي نَفَّذْنَهَا قَبْلَ الشُّرُوقْ
وَفَرَشْنَ بِالْبَلَلِ
-الْمُرَحِّبِ بالخطى-
طولَ الطريقْ
وَخَدَعْنَ أَطْفَالَ النَّبَاتِ
حَمَّمْنَهُمْ كَيْ يَحْضرُوا في الصبحِ أَعْيَادَ الحياةِ
لِكَنَّهُ الْعِيدُ الْكَبِيرُ..
مُلَغَّمٌ بِدَمِ الْفِدَاءِ عَلَى رِقَابِ الأُضْحِيَاتِ
أُمِّي أَعَدَّتْ مِنْ جَوَالِقِها السَّمِينَةِ..
مَا يَلِيقُ بَوَجْبَةِ التَّكْفِينِ طُولَ الْعَامْ
وَأَبِي انْتَقَى مِنْ رَأْسِ سُنْبُلَةٍ عُيُونَ الْقَمْحِ
يَفْقَؤُهَا بِنَابِ الإبْرَةِ الْمَعْقُوفِ فِي صِنَّارَةٍ عَمْيَاءَ..
حَتَّى تُمْسِكَ الأَسْمَاكَ فِي غَيْبِ الْمِيَاهِ
بِتُرْعَةٍ تَأْتِي بِأَسْمَاكٍ مِنَ الأَحْلامْ
وَعَبِيدُ أَعْوَادِ السَّنَابِلِ قُطِّفتْ أَعْنَاقُهُمْ..
وَرُمُوا عَلَى كَتِفَيْ قَنَاةٍ(*) تَرْتَدِي
ثَوْباً مِنْ الْمَاءِ الَخَفِيفْ
يَحْكُونَ مَأْسَاةً لِشَحَّاذٍ
تَكَفَّنَ بالبُصَاقِ………
وَمَاتَ في حِضْنِ الرِّصيفْ
أُخْتِي الصَّغِيرَةُ تَرْتَدِي فُسْتَانَهَا الْمَنْقُوشَ..
بِالأَعْشَابِ..
وَالأَلْعَابِ..
وَالْمَبْلُولَ مِنْ ضَحِكِ الْمِيَاهِ مَعَ الصِّغَارْ
صَنَعَتْ مِنَ الأَعْوَادِ تَاجَ أَمِيرَةٍ..
يَزْهُو بِصُفْرَتِهِ..
وَنَزَّهَتِ الْمَعَاصِمَ فِي سُوارْ
صَنَعَتْ
-مِنْ الأَعْنَاقِ-
مِكْنَسَةً لِسَاحِرَةٍ تَطِيرُ بِهَا..
وَتُمْعِنُ فِي الْفِرَارْ
وَعَصَا مُدَرِّسَةِ تُعَلِّمُ طِفْلَتَيْنِ (مِنْ الْهَوَاءِ)
الأَبْجَدِيَّةَ وَالْحِوَارْ
وَعَصاً تُجَرْجِرُ طُولَهَا الْمَكْسُورَ..
قَائِلَةً لَهَا: “حَا يَا حِمَارْ”
وَبَقِيَّةُ الأَعْوَادِ وَاقِفَةٌ عَلَى شَفَةِ انْتِظَار جَائِعٍ..
وَالْقَمْحُ حَبُّ عُيُونِهِمْ غَرَزُوهُ فِي بَدَنِ الْهَوَاءِ..
يُرَاقِبُونَ مَشَاهِدَ الْقَتْلَى هُنَا…
وَمَجَازِرَ الْمَوْتَى هُنَاكْ
وَالْمِنْجَلُ الأَعْمَى يُبَعْثِرُ خَطْوَهُ الْمَسْنُونَ..
مَسْنُوداً بِعُكَّازِ الْهَلاكْ
*****
**
عِيدُ الْحَصَادِ يَلُفُّ شِيلانَ الدِّرَاسَةِ (1)
حَوْلَ أَكْتَافِ الْحُقُولْ
وَتُنَزِّهُ الْمَكِنَاتُ مُلاّكَ الأَرَاضِي نُزْهَةً..
فِي مَعْدنِيَّةِ صَوْتِهَا الشَّرِهِ الأَكُولْ
وَالنَّاسُ يَحْتَفِلُونَ..
يَلْبَسُ بَعْضُهُمْ طَاقِيَّةً…
حتَّى يَرَدُّوا لَسْعَةَ الشَّمْسِ الَّتِي
كَالَتْ لَهُمْ ضَرَبَاتِ ضَوْءٍ غَاضِبٍ..
وَالْبَعْضُ لَفَّ قَمِيصَهُ الْمَبْلُولَ بِالْجُهْدِ الْقَدِيمِ..
عَلَى الرِّقَابِ لِيَرْحَمُوهَا مِنْ أَظَافِيرِ السَّنَابِلِ..
حِينَ تَغْرِزُ ضِيقَهَا الْحَرَّانَ فِي حَرَكَاتِهِمْ..
وَالآخَرُونَ يُلَوِّنِونَ شُعُورَهَمْ بِالعَفْرِ..
وَالأَثْوَابُ لامِعَةٌ؛ بِهَا خَرَزَاتُ “تِبْنٍ”(2)…
طُرِّزتْ بِالْقَشِّ..
مُنْقُوشٌ عَلَيْهَا وَرْدَةُ “الْبَسَرُوسِ”(3)..
وَالْعِطْرُ الْيَتِيمُ هُوَ الْعَرَقْ
وَالنَّخْلُ يَنْصُبُ خَيْمَةً مَسْقُوفَةً بِجَرِيدِهِ..
فِيهَا يَشُيِّعُ رَاحِلَ الذَّهَبِ الْمُسَجَّى فِي مَقَاطِيرٍ
عَلَى طُولِ الطُّرُقْ
وَأَنَا أُعَزِّي كُلَّ سُنْبَلَةٍ بِدَمْعَةِ شَاعِرٍ زَرْقَاءَ
أَذْرِفُهَا عَلَى خَدِّ الْوَرَقْ
_________________
(*) القناة: هي المجرى المائي الضيق الذي يمتد بين الأراضي الزراعية متفرعاً من الترعة الكبيرة.
(1) دراسة القمح: هي العملية التي تتم عن طريق آلات الدرْس بغرض استخلاص حبوب القمح من السنابل. وكانت تتم من قبل اختراع الآلات الحديثة بأن يُداس على السنابل.
(2) التبن: هشيم سيقان القمح عند درسه أو دراسته.
(3) البسروس: شوك له شكل الورد في انتظام أوراقه، يشبك في ملابس المزارعين عند دراسة القمح، وهو من الطفيليات على السنابل، وقد تتم معالجته وإزالته قبل دراسة القمح.