“طبسيل الطاووس.. قصة مدهشة !” :
…
طبسيل الطاووس، أو طبق الطاووس، وخاصة الأزرق الفيروزي، “ماعون” عجيب.. أول مرة أكلت فيه كنت ضيفا عند صديق، وبعد أن أنهينا طعامنا “مسحنا الأطباق من طعامها”، ظهر النقش المميز في قاع الطبق وجنابه، نقش ملفت.. لوحة فنية جذابة.. دققت فيها بشهية أكثر من شهيتي أثناء التهام “اللحم بالبرقوق” الذي كان قبل أن نلتهمه يخفي هذه التفاصيل البديعة.
لم تكن علاقتي بمضيفنا – الله يخلف عليه ويرزقه الخير كله–، تسمح بأن “أدقق وأحقق” في طبسيل الأكل.. ضيف على ذلك كان معي شقيقي محمد وهو دائم التنبيه عليّ “بالله عليك بلاش فلسفات عميقة، وشغل التطقيس ده” – والتطقيس تعني بالعامية المصرية “البرگگة” أعزكم الله–، بحكم المهنة أحيانا أكون مزعجا.. أو غالبا يعني، لكن لم أنس نقشة هذا الطبق “وطاووسه” الزاهي.
بعد ذلك بأيام شاهدت نفس الطبق مرة أخرى عند أصدقاء آخرين، ثم تكرر اللقاء بالطبق الطاووس في كل عزومة تقريبا، نفس الطبق.. كان شقيقي محمد قد سافر إلى مصر، وكان الفضول قد بلغ مني مبلغه، فأطلقت السؤال “المحشور في حلقي”، ما حكاية هذا الطبق – الطبسيل– لكن أصدقائي لم يقولوا لي إلا أنه “موروث شعبي”، هذا الطبق أو الطبسيل لابد أن يكون في كل منزل، وإذا أكلت فيه وأنت ضيف فهذا يعني أن مكانتك عظيمة.
هذه الإجابة غير شافية، فانطلقت أبحث و”أشمشم” عن الحكاية، فعرفت في البداية أن طبسيل الطاووس أو لغطار، يسمى النوع الأصلي منه بـ”الطاووس الحر” وهذا ثمنه قد يصل إلى 500 دولار وهناك 50 دولار و100 دولار حسب الجودة، والنوع العادي أو الشعبي يباع في كل مكان ولا يتعدى الـ10 دولارات، وأن هذا الطبسيل أهم ما يوضع في جهاز – دهاز– العروسة، هو زينة المطبخ وسيد المواعن.
وعن تاريخ الطبسيل، كانت الرحلة طويلة لكن في النهاية وصلت للحكاية، الطاووس كان شعار المرابطين، شعار رايتهم، لكنهم كانوا دعاة تقشف وزهد، كانوا يرفضون كل مظاهر الأبهة، لذلك لم تظهر هذه الأطباق في عهدهم، فقط الشعار، وكان لطائر الطاووس مكانة أسطورية في المخيلة الشعبية كرمز للخير، وفي عهد الموحدين لم يختف الطاووس كرمز مهم في الثقافة الشعبية، إلى جانب رموز أخرى متأصلة منذ مئات القرون مثل “السبع، والثعبان، والطيور، والحصان”، لكن الطاووس كان رمز الرزق والخير في ذلك الوقت، ومع تولي الموحدين، كانت الحياة أكثر ترفاً وبهرجة من عهد المرابطين، وظهر الطاووس لأول مرة على قاعدة “الطبسيل” كما هو الآن باللون الذهبي على خلفية زرقاء، كنوع من البركة وطلب “الخلف”، وكانت هذه الأطباق أو الطباسل قاصرة على موائد الأمراء والأعيان والشرفاء، لتنتشر بعد ذلك وتصبح من مظاهر الأبهة والعز، منذ القرن الثاني عشر الميلادي حتى اليوم.
قصة لا تقل لذة عن الطعام المُقدم في هذا الطبسيل التاريخي، جعلتني أحب هذا الطبسيل، لرمزيته وتاريخه وشكله، تحفة بكل المقاييس.. بل وهناك طبق البديع أو طبسيل الدجاج وهذا له قصة أخرى..
#المغرب
#يوميات_صحفي_في_المغرب