“تاريخ رفيسة الفقير، طعام يوم الزلط.. وجبة نحو الانقراض” :
…
الميقاز أو الرفيسة العمية عند الشاوية، أو التردة أو تامبصلت في سوس، بايكدور وبايسو في حوض درعة والصحراء..
هي وجبة تحضر في البادية المغربية من الخبز اليابس.
كانت وجبة الميقاز كما تسمى عند أهل الرباط وسلا والنواحي ثريد اليوم الفقير أو البؤس والأسود، حيث تصنع من بقايا الخبز اليابس. وكانت في الأندلس وجبة الحرب لما يضرب العدو الحصار على المدن والقرى لشهور وأعوام ويوشك الناس على الهلاك بالجوع، وتنتفي الأقوات وتفرغ المخازن ولا تبقى ميرة ولا مؤونة ولا قمح لصنع الدقيق والخبز، فيجري البحث عن ما تبقى من فتات خبز في الدار لسد الرمق، وبعد تبليله بمرق أو زيت أو دهن يصبح وجبة غذاء تأكل العائلة منها حتى تفك الأزمة، وقد استخدم هذا الطبق كذلك في وقت الجفاف وغلاء الأسعار وزمن الأوبئة والأمراض والطاعون الذي كان يضرب السكان باستمرار. لكن الوجبة صارت بعد ذلك علامة تدبير اقتصادي ومنزلي لربات البيوت، لتوفير بعض المردود المالي باستغلال أطراف الخبز اليابس، التي تجمع على طول الأسبوع أو الشهر وإعادة تدويرها واستهلاكها بعد مزجها مع مواد أخرى وتوابل، وتوضيفها في الغذاء لحماية الأسرة من عوامل الدهر، حتى صارت من الأطعمة المعروفة والمتداولة في المغرب لا سيما عند الطبقات الاجتماعية المعوزة والفقيرة. وكون هذا الطبق يقدم من دون لحم أو دجاج فهو رخيص الثمن ومتوفر على عدة وصفات مختلفة حسب كل منطقة من مناطق المغرب، من الميقاز إلى الرفيسة العمية، إلى تامبصلة / سوس، بايكدور / بايسو جهة درعة والصحراء إلى أسماء أخرى ..
نحو مهمة إنقاذ التراث الثقافي والحضاري المغربي من الانقراض والسرقة.
التراث الغذائي المغربي المنسي والمنقرض..
يوم الميقاز، هو يوم خاص في المغرب والأندلس، يخصص في الغالب ليوم حزن أو يوم زلط، لا يتوفر فيه مصروف البيت أو لا توجد نقود أو لا يتوفر فيه غذاء، وتستغله أو تخصصه السيدات لتخميل وتنظيف البيوت، وحيث أن النساء يكن مشغولات بغسل الأواني وتصبين الثياب وبترتيب المنازل فلا وقت لديهن لطهي الغذاء وتحضير المائدة، فيعمدن إلى تحضير الميقاز الذي هو عبارة عن ثريد يصنع من الخبز البائت واليابس المقطع أطرافا، والذي يبلل بمرق وبصل أو بسائل مع قليل من طماطم كطعام فقير لا يحتوي على دهن وبدون لحم، كما أن هذه الوجبة السهلة والفقيرة تلجأ إليها بعض العائلات المعدمة والفقيرة في أيام الشدة والفقر والجوع، وفي أيام النكبات والبلاء والعدم. ومثل الخبز اليابس ( أي الكارم ) دورا كبيرا في إنقاذ الناس من المجاعة قديما أثناء حصار المدن، ولدفعها للاستسلام فيتم تجويع سكانها كما حصل في الأندلس زمن طرد الموريسكيين بعد حصارهم وتجويعهم للدفع بهم للهروب واليأس على أيدي جنود إيزابيلا وفرديناند.
وصار الخبز اليابس كالقرش الأبيض في اليوم الأسود يربط في المغرب بيوم الزلط…
وصفة الرفيسة العمية أو الميقاز وهي بدون لحم طبعا، بل إن البصل والخبز هو عمادها :
قطع خبز يابس ( مقطع )، 5 حبات بصل، 2 حبات طماطم، حزمة بقدونس، 2 ملاعق حلبة، 4 ملاعق عدس، 2 ملاعق فول، ملعقة حب الرشاد ( اختياري )، فلفل حار أخضر ملعقة سمن، نصف ملعقة زنجبيل، نصف ملعقة صغيرة فلفل أسود، نصف ملعقة كركم، ملعقة مساخن، زيت زيتون..
_ يوجد وصف للخبز اليابس في الشعر العربي، واخترت قصيدة للشاعر الحكيم الزاهد أبي العتاهية التي تصف الخبز اليابس والحياة والموت :
رغيف خبز يابس – من قصائد أبي العتاهية في الزهد
رَغيفُ خُبزٍ يَابِسٍ
تَأكُلُهُ فِي زَاوِيَهْ
وَكُوزُ مَاءٍ بَارِدٍ
تَشْرَبُهُ مِنْ صَافِيَهْ
وَغُرفَةٌ ضَيِّقَةٌ
نَفْسُكَ فِيهَا خَالِيَهْ
_________________________
* الأستاذ الشيف الحسين الهواري وافته المنية مؤخرا، وقد كان رحمه الله باحثا ومؤرخا في تاريخ وتراث الطبخ المغربي والعربي والعالمي، وعضوا مؤسسا للمعرض الدولي “كريما” منذ تأسيسه سنة 2000، وحائزا على ثماني ميداليات وبالدرع الدولي “غولدن شيف”… وقد ارتأت جريدة الديوان نشر مقالاته التي دافع فيها عن الطبخ المغربي بالأدلة التاريخية ضد المغالطات المنشورة بويكيبيديا وضد محاولات طمس هويته والسطو عليه.