“التاريخ الحقيقي للمطبخ المغربي؛ قراءة في كتاب باولا وولفيرت (مطبخ الإمبراطورية المغربية)” :
سنبحث عنه في كل مكان، وسنتتبعه في كل زمان، وسنحميه من كل الشوائب، لكي نتبث للعالم هذا التاريخ الحافل بالأذواق، هبة من الله الكريم، ذوق مغربي خالص لا يوجد على البسيطة له مقارن ولا منافس، تشكل عبر قرون وقرون من الصقل والإبداع، ربته الطبيعة وشكلت ملامحه الأيادي، أبدعته الأنامل وحفظته ثنايا الجبال، بين أحضان الأطلس ترعرع وبين الوديان تكون، كتب عنه العلماء وتغنى به الشعراء، سنطوره ونحميه وننظمه وننشره ليبقى ويستمر لقرون وقرون.
تتبعت الباحثة الأمريكية باولا وولفيرت جذور المطبخ المغربي عبر التاريخ القديم والحديث ابتداء من عصور طويلة حتى عصور مجده في إمبراطوريات الأدارسة والمرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين والعلويين .
تعريف تاريخ المطبخ المغربي :
يعتبر المطبخ المغربي منذ القدم من أكثر المطابخ تنوعا في العالم، والسبب يرجع إلى تفاعل المغرب مع العالم الخارجي منذ قرون. فالمطبخ المغربي هو مزيج من المطبخ الأمازيغي والعربي والإفريقي والروماني والوندالي والفنيقي، وشرق أوسطي جغرافيا، البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا.
الطهاة والطباخون في المطبخ المغربي على مر القرون في كل من فاس ومكناس ومراكش والرباط وتطوان، وفي العيون وأسفي، وفي أكادير والصويرة، وفي وجدة وأرفود، وفي خنيفرة والناضور، وفي العيون ووارززات؛ هم من خلق الأساس لما يعرف المطبخ المغربي اليوم، كما أن المطبخ المغربي يعتبر الأول عربيا وإفريقيا، والثاني عالميا بعد فرنسا.
المغرب كمنبع وملتقى لحضارات عديدة، قد تأثر مطبخه بالمطبخ الأمازيغي الأصيل، بالإضافة إلى المطابخ العربية الأندلسية ؛ المطابخ التي حملها الموريسكيون عندما غادروا إسبانيا، والمطبخ التركي العثماني، والشرق الأوسطي، ومطابخ جلبها العرب.
يُترجم تاريخ المغرب في مطبخه، فاللاجئون الهاربون من العباسيين غادروا بغداد في القرون الوسطى واستقروا في المغرب، جالبين معهم الوصفات التقليدية التي أصبحت شائعة في المغرب منسية في الشرق الأوسط، و يثبت هذا ما دونه البغدادي في مؤلفاته (القرن 12 ميلادي) عن الوصفات العراقية وأوجه الشبه مع الأطباق المغربية المعاصرة. السمة المميزة هي الطبخ بالفواكه مع اللحوم مثل السفرجل مع لحم الحمل أو المشمش مع الدجاج. كذلك التأثيرات على المطبخ المغربي التي أتت مع الموريسكيين (اللاجئين المسلمين) الذين طردوا من إسبانيا خلال محاكم التفتيش الإسبانية.
حسب بولا وولفيرت المتخصصة الأمريكية في المطبخ المغربي وصاحبة أشهر كتاب عن المطبخ المغربي؛ قالت :
«”برأيي أن أربعة أشياء ضرورية لكي تُطور أمة مطبخا عظيما. الأولى هي وفرة المكونات، دولة غنية. ثانيا تنوع التأثيرات الثقافية : تاريخ الأمة، بما فيه هيمنته الأجنبية، وعادة ما يعود بأسرار الطهي من مغامراته الإمبراطورية. ثالثا حضارة عظيمة، وإذا لم يكن لبلد يوم مشرق في تاريخه، ربما لن يكون له مطبخ عظيم ؛ الأكلات العظيمة وحضارة عظيمة يسيران جنبا إلى جنب. أخيرا، وجود حياة قصر أنيقة، دون مطابخ ملكية، دون فيرساي أو المدينة المحرمة في بكين، باختصار، يتطلب وجود طلب على مجامع ثقافية، فمخيلة طهاة الأمة لن تكون تحديا. والمغرب، لحسن الحظ، جمع كل الأربع”»
المغرب تنتج مجموعة كبيرة من الفواكه والخضراوات المتوسطية وحتى بعض الاستوائية. البلد تنتج كميات كبيرة من الأغنام والدواجن والماشية والأسماك التي تشكل قاعدة لانطلاق المطبخ.
التوابل في السوق المركزية في أكادير ، ومراكش وتارودانت ومكناس. تُستخدم التوابل على نطاق واسع في الأكلات المغربية. فاستيراد التوابل إلى المغرب بدأ منذ آلاف السنين، والعناصر الكثيرة، مثل الزعفران من تاليوين، النعناع والزيتون من مكناس، والبرتقال والليمون من بركان والقنيطرة وفاس، منتجات محلية. فمجموعة التوابل تشمل القرفة، الكمُون (كمون)، الخرقوم (كركم)، سكينجبير (الزنجبيل)، ليبزار (الفلفل الأسود)، التحميرة (الفلفل الأحمر)، بذور الينسون، بذور السمسم، قسبور (الكزبرة)، ماعدنوس (البقدونس)، زعتر، كرفس، زعفران بلدي، والنعناع من البروج إقليم السلطات.
هيكل الوجبات Structuralisme :
وجبة الغداء هي الوجبة الرئيسية، باستثناء شهر رمضان المبارك. الطريقة الرسمية لتقديم الوجبة تبدأ بسلسلة من السلطات الساخنة والباردة، يليها الطاجين. يٌؤكل الخبز مع كل وجبة. غالبا يكون الطبق المقبل بلحم الغنم أو الدجاج، تليها كسكس باللحوم والخضروات.ثم نهاية الوجبة يُقدم فنجان الشاي بالنعناع الشائع في المغرب. ومن الشائع لدى استخدام ثلاث أصابع أيديهم للأكل، واستخدام الخبز للتغميس.
الأطباق الرئيسية :
الكسكس المغربي قائمة الأطباق في المغرب:
الوجبة المغربية الرئيسية الأكثر انتشارا بين الناس هو الكسكس وهي قديمة جدا. الدجاج هو أكثر أنواع اللحوم التي تؤكل في المغرب. اللحوم الحمراء الأكثر تناولا في المغرب هي لحم البقر ثم لحم الغنم. وتتكون لدى الأغنام في شمال إفريقيا الكثير من الدهون تتركز في الذيل، وهو ما يعني أن الحمل المغربي لا يملك النكهة الحادة، التي تكون عادة عند الأغنام الغربية وتعطيها طعما غير مرغوب به.
ومن أشهر الأطباق المغربية هي الكسكس، البسطيلة، المروزية، الطاجين، الطنجية، الزعلوك، البيصارة، الحرشة، الملاوي، البغرير والحريرة، الرفيسة. ورغم أن الحريرة هي الشوربة، فإنها تعتبر وجبة كاملة، وتُقدم عادة مع التمر خلال شهر رمضان.
حلويات : قائمة الحلويات المغربية
لا تقدم الحلوى المغربية بالضرورة في نهاية وجبة الطعام. مجموعة الحلوى كعب غزال (“قرون الغزال”)، وهي عبارة عن المعجنات المحشوة بعجينة اللوز وتفند بالسكر. حلوى أخرى هي الكعك بالعسل، وهو على شكل قطعة من العجين مقلي ومغمس في إناء من عسل مع بذور السمسم. الحلوى الشباكية هي حلوى تؤكل خلال شهر رمضان. حلوى الكوك هي كعكة جوز الهند والبريوات، قراشل، غرييبة، الفقاص، سلّو ومسكوتة.
المشروبات : ثقافة الشاي (المغرب)
المشروب الأكثر شعبية هو الشاي الأخضر بالنعناع. تقليديا، يعتبر حسن تحضير الشاي بالنعناع في المغرب شكلا من أشكال الفن، وشربه مع الأصدقاء وأفراد الأسرة هو أحد أهم طقوس اليوم. أسلوب سكب الشاي لا يقل أهمية عن جودته. يقترن الشاي مع تقديم مخاريط أو مكعبات السكر.
الوجبات السريعة المغربية :
بيع الوجبات السريعة التقليدية في الشارع هو أمر شائع منذ زمن طويل، وأفضل مثال على ذلك هو ساحة جامع الفنا في مراكش. ابتداء من الثمانينات، بدأ ظهور المطاعم الجديدة التي تُقدم “bocadillo” (وهي كلمة إسبانية لشطيرة، ويستخدم على نطاق واسع في المغرب). وال bocadillo هو الرغيف الفرنسي baguette محشو بالسلطة وبأحد أنواع اللحوم، أو ما شابه ذلك من tortilla، وهو أيضا مصطلح يستخدم على نطاق واسع في المغرب.
وخلال التسعينات، بدأ يظهر هناك اتجاه جديد؛ محلات الألبان والمنتجات الجديدة (المحلبة بالعربية المغربية)، حيث انتشرت في جميع أنحاء المدن في المغرب. تقدم تلك المحلبات عموما جميع أنواع منتجات الألبان، العصائر، والإفطار وكذلك bocadillos، حيث تتنافس بشدة مع المطاعم المنتشرة منذ سنوات.
نال الطبخ المغربي شهرة عالمية، واقتحم مطابخ أوروبا، وتربعت أصنافه على عرش المأكولات الأكثر رواجا في العالم كالكسكس والحريرة والطاجين، حتى إن بعض السياح يقصدون المغرب خصيصا لتذوق الأكل المغربي، ويكفي أن نعلم أن استقبال الضيف بالمغرب لا يكون إلا بكؤوس شاي دافئ “المنعنع”.
ويشتهر الطبخ المغربي باحتوائه على كمية كبيرة من التوابل، وخصوصا البهارات وهذا ما يميزه عن باقي أنواع الطبخ في العالم، فالمغاربة يعتبرون الطعام الذي لا يضم التوابل “باردا” ولا يستسيغونه، وعلى مستوى التاريخ الحديث نستطيع أن نقسم الطبخ المغربي إلى فترتين؛ هما فترة ما قبل الاستعمار، وفترة ما بعد الاستعمار.
ويقول محمد التاقي (باحث اجتماعي) إن “هذا التقسيم يبقى نسبيا بشكل أو بآخر، إلا أنه يضعنا فعلا أمام نوعين من الطبخ المغربي؛ المطبخ التقليدي، والمطبخ الحديث”. ويعتمد المطبخ التقليدي على أفران مصنوعة من التراب والطين وأوانٍ خزفية وترابية أيضا، وهو قد لا يخضع إلا لمقاييس تقديرية وغير محددة، سواء من ناحية التوقيت أو المقادير، لكنه يبقى الأكثر تميزا وإقبالا من طرف الزوار والسياح على حد سواء. “الطقوس التي ترافق عملية إعداد وتقديم الأكلات المغربية تخضع لقوة الأعراف والتقاليد، وما تركه الأجداد في هذا المجال، مما يزيد من شهرة المطبخ المغربي عالميا”.
ويؤكد أن تاريخ المغرب يعرف من خلال مطبخه المتميز، وأن كل منطقة بالمغرب لها وجبتها المميزة التي تشتهر بها، “فهناك مثلا “الطاجين المراكشي” و”المقروطة الفاسية” و” كالينطي الطنجي”.
وتشتهر مدينة مراكش بأكلة الطنجية المطبوخة في الفرن التقليدي، وكذلك بالطاجين المقفول والمزكلدي، وفي الدار البيضاء نلاحظ حضور أنواع مختلفة من الطبخ الأجنبي، حيث تسربت إليها عناصر الطبخ المتميزة، مثل العجائن الإيطالية والشعرية الصينية، وكذلك مختلف أنواع الفطر والأجبان، هذه العناصر الدخيلة، طبعت الطبخ في هذه المدينة بطابع خلاق متميز، أحدث ثورة في الطبخ التقليدي.
كما ظهرت أطباق متميزة مثل أضلع الكبش المحمرة والمعمرة بالشعرية الصينية والكفتة والفطر، وكذلك البسطيلة بفواكه البحر، بالإضافة إلى الأسماك واللحوم والدجاج المشوي المعطر بنكهة التوابل، لذلك نجد مزيجا من الطابع التقليدي والطابع العصري الذي فتح المجال أمام إبداع الطباخ المغربي.
وتعد وجبة “الكسكس” أشهر الوجبات المغربية وهي القاسم المشترك بين جميع المناطق، فهي الأشهر والأكثر إقبالا لدى المغاربة، فمن التقاليد المعروفة بالمغرب أن يوم الجمعة هو يوم وجبة الكسكس، وقلما تتخلف أسرة مغربية عن هذا الموعد. وتنقسم وجبة الكسكس نفسها إلى عدة أنواع فهناك كسكس “السبع خضار” والكسكس برأس الخروف والكسكس بالبصل والزبيب (التفاية)، أما في المناطق الصحراوية فيتم مزج الكسكس بحليب الماعز أو الغنم قبل بدء عملية الطهي.
أما “الحريرة” فهي وجبة رمضان بلا منازع، ذلك أن كل الأسر المغربية تفطر بشربة الحريرة، وهي عبارة عن مزيج لعدد كبير من الخضار والتوابل يقدم في أوان خزفية مقعرة تسمى محليا بـ”الزلايف”، وقد يستغرق إعدادها أكثر من ثلاث ساعات أحيانا، لذا لا تستغرب إن لاحظت في شهر رمضان قبل الغروب، أن نفس الرائحة الزكية تنبعث من جميع البيوت بلا استثناء.
ويعتبر الشاي المغربي المنعنع رمز الترحاب وحسن الضيافة، ذلك أنه أول ما يقدم للضيوف، ويشرب ساخنا دلالة على حرارة الاستقبال ودفء المودة، وتتنوع طرق إعداده هو الآخر من منطقة إلى أخرى. إلا أن الشاي الصحراوي يبقى الأشهر ذلك أنه لا يقدم بكثافة بل في كأس زجاجي صغير مملوء إلى المنتصف فقط، وهذا ليس من نقص في حسن الضيافة، بل لأن هذه الكمية القليلة هي عصارة ما قد تشربه من الشاي ليوم كامل، حيث يتم غليه ثلاث مرات حتى يقترب لونه من السواد، فيصبح ثقيلا جدا.
أما الحلويات المغربية فأشهرها تسمى “الغريبة”، وهي مزيج من الزيت والسكر والزبدة والدقيق، إضافة إلى حلويات أخرى كـ”كعب غزال” وحلوى التمر و”الملوزة” وتقدم كل هذه الحلويات في كل الأفراح والمناسبات وفي الأعياد، وهناك حلوة “الشباكية” وهي الحلوى التي ترافق الحريرة خلال شهر رمضان على مائدة الإفطار في تقليد جماعي كالعادة.
والأعراس المغربية لم تكن لتنجو من قانون الطبخ الافتراضي، فهي تخضع بدورها لنظام محدد يتمثل في تقديم كؤوس الشاي في البداية مرفقة بالحلويات، وبعد مرور ساعتين تقريبا يتم تقديم العشاء المقسم إلى وجبتين: الوجبة الأولى هي اللحم بـ”البرقوق المعسل”، والوجبة الثانية هي الدجاج بالزيتون والبيض، وقد يتم تقديم الفواكه المتنوعة في الأخير حسب القدرة المادية.
إن الطبخ المغربي ليس مجرد وجبة يتناولها المرء ثم ينهض مبديا إعجابه وينتهي الأمر، فإن العراقة والرمزية هي أول ما يطبع أشهر الوجبات بالمغرب، ويكفي أن نعلم أن استقبال الضيف بالمغرب لا يكون إلا بكؤوس شاي دافئ وعلى مستوى التاريخ الحديث، نستطيع أن نقسم الطبخ المغربي إلى فترتين هما :
– المطبخ التقليدي: وهو المعتمد على أفران مصنوعة من التراب والطين وأواني خزفية وترابية أيضا. وهو قد لا يخضع إلا لمقاييس تقديرية وغير محددة – سواء من ناحية التوقيت أو المقادير- لكنه يبقى الأكثر تميزا وإقبالا من طرف الزوار والسياح على حد سواء.
– المطبخ الحديث : ويعتمد على أدوات عصرية كالمكروييف وأواني الألمنيوم، ويخضع لمقاييس محددة ومضبوطة محافظا — رغم هذا – على الشكل العام للمطبخ التقليدي بصفة عامة ، وهو الأكثر استعمالا في البيوت الحضرية المغربية من طرف المغاربة أنفسهم.
كما ذكرنا آنفا فالطبخ المغربي ليس مجرد طهو طعام ثم تناوله، فالطقوس التي ترافق العملية ككل، من إعداد وتوقيت، تجعل الأمر يخضع لقوة الأعراف والتقاليد وما تركه الأجداد في هذا المجال. وكل منطقة بالمغرب لها وجبتها المميزة التي تشتهر بها، فهناك – مثلا — ” الطاجين المراكشي” و ” المقروطة الفاسية” وكاران الوجدي، ” كالينطي” الطنجي…
أخيرا، نقول أن الطبخ المغربي بشتى أنواعه بمثابة لغة تتحدث بما بعجز عنه اللسان من ترحاب و حسن ضيافة.. و هو ما يلاحظه كل من يزور المغرب دون استثناء ..