تستيقظ “إيطو” بعد أن يداعب نور الفجر عيونها ،وتهمس شفاه الزهور في أذنيها وهي تتسعر شوقا لمرافقة خرافها إلى أعالي الجبال التي تطوقها أساور فضية من الياسمين، وعلى رأسها إكليل الأقحوان ، و على أرضها تفترش بساطا أخضر لاستقبال” ايطو “التي اعتادت ارتياد المكان رفقة خرافها إلى أن يكسوها الليل زي الحداد فتهم مسرعة إلى كوخها البسيط الذي يؤثث فضاءه حلمها العذري ،وتضيء جدرانه بريق ابتسامتها التي تأبى مفارقتها ، وتزينه بإكسسورات صنعتها أناملها علي إيقاع غثاء الخرفان ، وعليل الرياح ،ودفء نور الشمس ….وفي جوف الظلام سمعت صوت خطوات تقرع الارض بلا رفق فجلست والرعب يعتصر فؤادها فجفاها النوم واستجمعت قوتها وحملت عصا غليظة كأنها مقطوعة من شجرة للتو ولوحت بها في أفق السماء وهي تصيح بأعلى صوتها الذي تردده اركان الطبيعة بصدق وإخلاص ،ففر الغرباء تاركين صندوقا قرب عتبة منزلها فرمت بسلاحها بعيدا وعانقت الصندوق وهي تهمس على حافاته بكلام خفي كأنها تقرأ تعويذة. ولما اطمأن الغرباء، وفهموا سر انجذابها إليه، سمعت صوتا رقيقا يشجعها على فتح الصندوق ولما أقبلت على فتحه وجدت جهازا غريبا .وهي تسأل نفسها باندهاش. فجأة همس بأذنها صوت يأمرها بتشغيله فنفذت الأمر على وجه الاستعلاء والإلزام ، وانبهرت من قدوم العالم إليها على اختلاف مشاربه، وتضارب مصالحه ..وهي منبهرة بما تراه عينياها خاطبها الصوت قائلا:
-كنت كل يوم تتجشمين عناء التنقل لمكان واحد والآن تملكين العالم بين يديك. فلم تعره اهتماما وهي منشغلة بالتجول بين صفحاته فلما يئست. التفتت يمينا لتتفقد خرفانها فصاحت بصوت يقطع نياط القلب:
-وا أسفاه على استلاب كوخها وما يختزنه . فداعبها الصوت بكلمات تذيب السكر بلا ماء :
-لا تأسفي متعة الحياة بين يديك، قالت:
– كيف؟وخرافي مصدر أكلي وشربي وكسوتي..أجاب :
-لا عليك الذي بين يديك يطعمك ما اشتهت نفسك ويكسيك سندسا واستبرقا ويطوق جيدك ذهبا .. استغربت متسائلة:
-والمال؟
-المال بين يديك .
-كيف؟
-افتحي ما أمليه عليك واتبعي الخطوات بلا كلل وملل ..وتذكري أن المال سينسيك كل المتاعب .فلما اطلعت على الخطوات فرحت لأن قريتها ستصبح موئلا سياحيا لعيون طائشة تبرأ منها ! ومنذ ذاك الحين عملت على تقريب القاصي والداني من جغرافيتها الجسمانية والذهنية والشعورية ..
المال ياسادتي يجعل المرء يميل ميلانا يفقده الاتزان والاستقامة وما تنطوي تحتهما من كنوز ..