أكاديمي مغربي: تراكم الأزمات سيوّلد انفجارا هائلا – طه العيسوي

0
231

قال الأكاديمي المغربي وأستاذ العلوم السياسية، الدكتور محمد الحساني، إن “تراكم الأزمات في بلاده سيوّلد انفجارا هائلا، خاصة أن الواقع يسير نحو المزيد من الاحتجاج والضغط”، منوها إلى أن “الحراك الشعبي في تطور، بينما الواقع في تدهور مستمر؛ ولذلك فموجة الاحتجاجات قادمة دون أدنى شك”، وفق قوله.
وشدّد الحساني، على ضرورة ألا يتم التعاطي مع “هذا الانفجار المرتقب بأي شكل من الأشكال بالحلول الأمنية، لأن ذلك سيزيد الأمور سوءا وبؤسا وكارثية أكثر مما نحن فيه الآن”.
وأشار الأكاديمي المغربي إلى أن “أكبر ما قدمته حركة (20 فبراير) الاحتجاجية هو أنها حطمت حاجز الخوف، وهذا يعتبر تحولا هاما وعميقا في الشارع السياسي”، مؤكدا أن “روح هذه الحركة ما زالت حاضرة بقوة في الواقع المغربي، ولم تغب عنه في أي وقت من الأوقات”.
يشار إلى أنه في العام 2011، تجمع شباب مغاربة من تنظيمات سياسية مختلفة ومستقلين عبر منصات التواصل الاجتماعي، فأطلقوا حركة “20 فبراير”، وخرجوا إلى شوارع المملكة، مطالبين بإصلاحات سياسية ودستورية وقضائية، في سياق ثورات “الربيع العربي”، التي بدأت في تونس أواخر 2010، وأطاحت بأنظمة عربية حاكمة.
وهذه الأيام تحل الذكرى العاشرة لتأسيس تلك الحركة الشبابية، التي انضمت إليها قوى سياسية وحقوقية، والتي فجّرت احتجاجات في عدد من المدن المغربية. ودعت إلى صياغة دستور جديد، وحل الحكومة والبرلمان، ومحاكمة من وصفتهم بالفاسدين الذين قالت إنهم يستغلون نفوذهم في نهب ثروات المملكة.
ويقول بعض مؤيدي الحركة إن “(20 فبراير) تُعبّر عن نبض الشارع المغربي بآلامه وآماله، وقد انطلقت لتؤسس لمغرب لا استبداد أو فساد فيه، بل كرامة وحرية وعدالة اجتماعية”.

وفي ما يأتي نص المقابلة:
أين هي حركة “20 فبراير” اليوم؟ وهل انتهت تنظيميا إلى الأبد أم إن فكرتها لا تزال حيّة كما يقول البعض؟
في البدء أود أن أؤكد على أمر هام، وهو أن حركة 20 فبراير تحتاج إلى تسليط الأضواء والمزيد من الدراسة والتحليل، وتلك مسألة ضرورية خاصة في ما يتعلق بقراءة ثورات الربيع العربي وفهمها في سياقها المتكامل وليس في سياقات جزئية، كي نستطيع أن نستشرف المستقبل بنظرة كلية، وأتمنى أن يصل هذا للباحثين ويأخذوه بعين الاعتبار.
الأمر الثاني هو أن روح حركة 20 فبراير لم تُفارق المشهد السياسي المغربي منذ بدايته، وأنا لا أتحدث فقط عن الهيكل التنظيمي الذي لم يعد له وجود الآن كمجلس وطني لحركة 20 فبراير، أو تنسيقيات الحركة في مختلف المدن المغربية، ولكن أتحدث عن روح الحركة ومطالبها التي قامت من أجلها ضد الاستبداد من أجل مغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تلك الروح ما زالت حاضرة وتزداد قوة وتأثيرا يوما بعد يوم، وذلك لأن الشروط الموضوعية في مغرب 2011 لم يتغير منها أي شيء..
فما زال الواقع السياسي المغربي محكوما بالاستبداد، وبعيدا كل البعد عن العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى أن المغرب يعيش انتكاسة حقوقية كبيرة للغاية يشهد بها الداخل والخارج، ونرى أن معتقلي الرأي السياسي في ازدياد، مع استمرار سياسة تكميم الأفواه؛ فالدولة ما زالت تتعامل بالمنطق الأمني في حل الإشكاليات. إذاً فالمؤشرات والظروف الموضوعية ما زالت موجودة، لذلك فإن روح حركة 20 فبراير حاضرة بقوة في الواقع المغربي، ولم تغب عنه في أي وقت من الأوقات.

حركة “20 فبراير” قاطعت جميع المحطات اللاحقة، سواء تعديل الدستور أو المشاركة في الانتخابات.. هل كان ذلك خيارا ناجعا برأيك؟
بالطبع كان خيارا ناجعا، وحينما نتحدث عن الدستور الذي جاء إبان حركة 20 فبراير، نجد أنه لم يُجب عن تطلعات الحركة ولم يرق إلى تحقيق مطالبها، كما أنه لم يراع المدخل الذي كانت تطرحه؛ فالحركة كانت تريد دستورا ينبثق عن لجنة تأسيسية تتكون من كافة أطياف الحركات السياسية المغربية من دون إقصاء أي فصيل، وأن تكون هذه اللجنة خارج تحكمات السلطة المغربية، وألا تتحكم في مخرجاتها؛ فقد قاطعنا الدستور لأنه كان في حد ذاته مجرد التفاف حول الحِراك وإدخاله في متاهات نقاشية عقيمة بشأن جدل المشاركة وعدم المشاركة.
ولذلك، فإننا لاحظنا أن بعض الأطراف التي كانت جزءا من الحِراك العشريني استجابت إلى اللجنة وقدّمت مقترحاتها، لذلك فإنني أقول إن الدستور كان مجرد عملية تشويش من الدرجة الأولى، وكان خيار المقاطعة صائبا لأنه حمل إشارة قوية ودليلا قاطعا، على أن هذا الدستور ليس هو الذي خرجت من أجله حركة 20 فبراير.

كيف تقيم تعاطي العاهل المغربي، الملك محمد السادس، مع مطالب المحتجين في “20 فبراير”؟ وهل صدق في وعوده -التي عبّر عنها في خطاب 9 مارس/ آذار 2011- بالإصلاحات الدستورية والسياسية والقضائية وغيرها، أم لا؟
هذا السؤال يأخذنا إلى مسألة في غاية الأهمية، وحقيقة ينبغي أن نقف عندها ونعمل على تفكيكها، لأنه بمجرد الإجابة عنها وتفكيكها سوف نستطيع أن نقول إننا تقدمنا خطوة إلى الأمام. وهذه المسألة هي طبيعة الملكية في المغرب، فقد أجمع كل الفاعلين السياسيين في المغرب على أن طبيعة الملكية في المغرب هي ملكية تنفيذية، أي إنها تتحكم في كل مفاصل الدولة، وهذا التحكم هو الذي أنتج حكومة مشلولة وشكلية ووظيفية بالدرجة الأولى منزوعة الصلاحيات..
إضافة إلى أن الدستور جاء ببرلمان لا يقدم أو يؤخر في الحياة السياسية المغربية بأي شكل من الأشكال، وقد يقول البعض إن هذه نبرة تشاؤمية، لكن في الحقيقة هذا هو الواقع المؤسف، والجميع يعرف ذلك، وبالتالي فإن لم نخرج من هذا النفق المظلم، ودون أن نُحدد الصلاحيات بشكل واضح ونربط المسؤولية بالمحاسبة، ودون أن تصبح المؤسسات التشريعية فاعلة ولها صلاحيات حقيقية، فإن كل هذه المشكلات ستظل مطروحة، وسنبقى دائما عند هذه النقطة، وسيظل المشهد السياسي المغربي متأزما تديره حكومة صورية، لأن الجميع ينتظر من القصر الملكي أن يَبُت في جميع القضايا العالقة، وكل ما له علاقة بالمسار السياسي والاجتماعي، ولذلك أقول إن دستور 2011 مجرد حبر على ورق.

قبل أيام، قضت محكمة مغربية بالسجن 6 أشهر موقوفة التنفيذ، بحق معتقلي احتجاجات الفنيدق (شمالا)، التي طالبت بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.. فكيف تابعتم احتجاجات الفنيدق؟
هي احتجاجات مشروعة، لأن الناس لم تخرج إلا لتطالب بحقها في العيش الكريم، والدولة عندما اتخذت قرار إغلاق معبر سبتة، كانت تعرف جيدا أن هذا المعبر يعتبر شريان حياة بالنسبة لسكان الفنيدق، لأنها ليست مدينة صناعية أو إنتاجية فهي تعيش على التهريب، وهذا أمر عاشته الأجيال منذ القدم في المغرب وليس واقعا جديدا، فإغلاق هذا الممر الحيوي دون توفير أي بديل يعني قطع الأكسجين الاقتصادي عن الناس؛ فكان من الطبيعي أن يتحركوا للمطالبة بحقوقهم الطبيعية التي لا ينبغي لأحد أن يُسيّسها أو يزايد عليها أو يعتبرها حقوقا تعجيزية، وبالتالي فإن الحكومة المغربية هي التي صنعت تلك الأزمة عبر قرار الإغلاق، ووحدها التي تتحمل المسؤولية أمام الجميع.
ومن جهة أخرى، فإن الحكومة لم تستمع إلى نصائح كثير من النخب السياسية والناشطين في الحياة الاجتماعية، من أن الحل الأمني لم يعد يُجدي نفعا على الإطلاق في علاج الأزمات؛ فالاعتقالات التي حدثت في الفنيدق لن تحل الإشكال، بل كهربت الأجواء وزادت في اتساع الأزمة، وعلى الدولة أن تُعيد النظر في استخدامها للحل الأمني كصيغة تعامل مع أزمات المجتمع، فمَن يقترح على الحكومة الحل الأمني هو في الحقيقة يغامر بمصير البلد وحياة الناس، ولهذا فإنه يجب على الدولة أن تتصدى لهذه العقلية لا أن تغذيها وتدعمها؛ فاليوم مع مدينة الفنيدق وغدا قد يتكرر الأمر في مدن أخرى، فالحل الأمني مضى زمانه ولا بد من التعامل بعقلانية وإيجابية في مواجهة المشكلات الحالية.

كيف تنظرون للانتخابات البرلمانية والتي لم يتبق عليها سوى نحو ستة أشهر؟
أعتقد أن الانتخابات أصبحت في نظر الجميع عبارة عن مسرحية لا قيمة لها، وليست إلا مَفسدة للمال العام ومَضيعة للوقت، والسبب أنها لا تنتج في النهاية إلا كيانات صورية ليس لها أي تأثير حقيقي في الواقع المغربي، وهذا ما أدى إلى عزوف الشعب عن المشاركة فى الانتخابات، والتي أصبحت الدولة نفسها تحذر منه وتتحدث عنه، وتحاول أن تدفع الناس للتصويت، لكن ذلك يأتي بنتائج سلبية وعكسية، وهذا يدل على أن الانتخابات ليست حلا، فمشاكل الواقع السياسي في المغرب أعمق من أن تُغيّرها انتخابات أو غيرها.

ما هو تأثير قرار التطبيع على الانتخابات ومستقبل حزب “العدالة والتنمية”؟ وهل سيظل متصدرا المشهد السياسي كما اعتاد خلال السنوات الأخيرة؟
أظن أن مسألة التطبيع لن تكون حاضرة في الانتخابات القادمة، لأن التطبيع جاء باتفاق الجميع وبقرار ملكي صرف، وليس هناك حزب سياسي بالمغرب يستطيع أن يقف ضد هذا القرار، أو أن يجعل منه جزءا من برنامجه الانتخابي.
وحزب العدالة والتنمية أصبح جزءا من منظومة التطبيع على المستوى العملي، وأنا أعي ما أقوله جيدا، لأنه حزب يترأس الحكومة المغربية وله وزراء، لذلك فإنه لا يمكن له أن يتهرّب منه أو أن يواجهه، أو أن يقوم بذلك الإخراج السيئ الذي قدمه عبد الإله بين كيران حين قال: إن “موقف الحزب ثابت ضد التطبيع، وإن قرار التطبيع قرار مَلكي في المقام الأول”، وأرى أن هذا المبرر يضر بالحزب.
من جهة أخرى، أظن أن حزب العدالة والتنمية على مستوى المشهد السياسي المقبل سوف يحافظ على موقعه، لأن الأحزاب الحالية المنافسة تعتبر ضعيفة جدا بالمقارنة معه، وهذا لا يعني أننا نزكي العدالة والتنمية، ولكننا نقرأ الواقع السياسي بكل موضوعية، ونبيّن الفرق بين موقف الحزب المتخاذل بالنسبة للتطبيع وبين موقعه السياسي القوي من باقي الأحزاب الأخرى، لأنه يظل أقوى الأحزاب السياسية المغربية.

أخيرا.. ما أهم الإنجازات التي حققتها حركة “20 فبراير”؟ وما مستقبلها؟
من أكبر وأهم ما قدمته حركة 20 فبراير هو أنها حطمت حاجز الخوف، وهذا كان من أحد النتائج الاستراتيجية والمحورية بالنسبة للمسار السياسي في المغرب، وهذا يعتبر تحولا هاما وعميقا في الشارع السياسي.
كما أن حركة 20 فبراير بيّنت بشكل قاطع وملموس أن الوسائط التقليدية -التي تتمثل في الأحزاب السياسية والأشكال التنظيمية- تم تجاوزها بشكل كبير، وأصبح الحوار الآن مباشرا بين الشارع المغربي وبين أعلى سلطة في البلاد، ومن ثم فإن هذه الوسائط السياسية بحاجة إلى إعادة قراءة المشهد السياسي من جديد.
وستبقى حركة 20 فبراير روحا قائمة في الواقع المغربي، وهذه الروح في تزايد واستمرار يوما بعد يوم، ومطالب الحراك لا تزال قائمة، ومستقبل الاحتجاجات لم يقف بعد، بل إن الواقع يسير نحو المزيد من الاحتجاج والضغط، وتراكم الأزمات التي ستوّلد انفجارا هائلا، وهذا الانفجار المرتقب لا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن تتم معالجته بالحلول الأمنية التي ستزيد الأمور سوءا وبؤسا وكارثية أكثر مما نحن فيه الآن، ونؤكد أن الحراك في تطور بينما الواقع في تدهور مستمر، ولذلك فإن موجة الاحتجاجات قادمة دون أدنى شك.
في النهاية أود القول إني لست من هواة سياسة الكارثة، ومَن يظن أننا بهذا التحليل سوداويو النظرة أو عدميون إنما يغالط نفسه، لابد أن نتعلم تسمية الأمور بأسمائها دون مداهنة، لأننا نريد لبلدنا أن يكون في المكانة اللائقة به، ولا سبيل إلا بتنقية الأجواء وتحقيق واقع الحرية والعدالة والكرامة.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here