حين تطالع بعض الصفحات لبعض الفنانين أو الكتاب أو الشعراء بغض النظر عما إن كانوا فعلا يستحقون هذه الصفة، فإنك تعجب أشد العجب كيف يضفي هؤلاء صفات غريبة جدا على أنفسهم فيها الكثير من تضخم الأنا، فهذا أمير أو سلطان أو ربما إمبراطور الشعر أو الفن، أو صفات من هذا القبيل تجرد الشخص الذي اختار هذا اللقب لنفسه من كل ذرة تفوح منها رائحة التواضع.. وما يزيد في نفخ هذه الذات ظهور صفحات بأسماء رنانة لمؤسسات وهمية يشرف عليها شخص واحد يوزع يمنة ويسرة شواهد تقديرية وجوائز وشواهد دكتوراه، وبطاقات فنانين في انتظار ظهور جوائز نوبل.. وإن كان ظهر ما يشبهها الآن.. وهذه المؤسسات أو الجمعيات لا تتوفر على مقر ولا على قانون أساسي ولا على مكتب ولا رقم إيداع قانوني.. فكل هذه الشروط المنعدمة كفيلة برفض أية ورقة افتراضية يصممها شخص مجهول وراء شاشة حاسوب.
هكذا اختلط الحابل بالنابل وأصبحت هذه الشواهد المجهولة المصدر والهوية، تدرج ضمن السيرة الذاتية ومحتويات المكتب كنوع من الامتياز في الإبداع والثراء الثقافي..
ولننظر إلى هذه الصورة كي نعرف قيمة الشهادة الحقيقية للمجتمع الياباني في امرأة تحمل شهادة: فكم كانت فرحة السيدة “شيكو ماتسوكاوا ” عظيمة حين عثرت على شهادة علمية لابنتها وسط انقاض مدينة “هيكاتشيماتسو شيما” التي دمرها الزلزال وأمواج تسونامي، والصورة التي استحقت جائزة “إنسان وحدث”، فيها أكثر من رسالة للبشرية جمعاء، ففرحة هذه السيدة تبين مدى تقديس المجتمع الياباني للعلم، وكذلك للشهادات العلمية التي يحصلون عليها بالمثابرة والجد وبالتالي تصبح ذات قيمة. ولا أعتقد أن الإنسان الذي يعيش وسط هذا الدمار سيشعر بالسعادة إذا وجد شهادة علمية حتى ولكانت له، لأن عدم العثور عليها في مجتمع كاليابان الذي يتوفر على بنك للمعطيات تسجل فيه كل صغيرة وكبيرة، ومنها هذه الشهادة المفقودة، لن يلغي هذه الشهادة إن ابتعلتها أمواج تسوناني.. فشتان بين مجتمع يستل الشهادات العلمية وسط الخراب ويشعر بالفرحة العارمة، ومجتمعات تسعى إلى نشر الخراب وتكريس الجهل. وشتان بين شهادات أفنى فيها الإنسان عمره وشهادة مجهولة المصدر.