ينتمي الشاعر محمد شيكي، إلى سلالة شعرية تحتفي بالجمال في كافة أبعاده وتجلياته. وقد أعلن، في دواوينه، “أنثى البهاء” و”كأني أطير بلا موعد في الفراغ”، “رغوة الغيب” عن هذا الانتماء، فصار ـ بفضل ما يقُدُّ من منحوتات شعرية جميلة ـ مواطنا كامل الحقوق في مملكة الشعر، شاعرا مكتمل النضج، سامق الشاعرية، يمتلك كل مقومات الشاعر المجيد من قدرة على توليد لغته الشعرية الخاصة، وبراعته في خلق أشكاله الإيقاعية، إضافة إلى امتلاكه لرؤية للعالم المحيط به قوامه التمرد والرفض والانخراط في القضايا الكبرى معاكسا التيار الذي أصبح أكثر ميلا للقضايا الخاصة ومنشغلا بتفاصيل اليومي.
إن الشعر عند محمد شيكي سكن في العتمة والغموض وانحياز إلى مخالفة المألوف ومجاوزة العادي عبر خرق اللغة، ولهذا السبب لم يكن عبثا أن يفتتح ديوانه “أنثى البهاء” ب”إضاءة” تنير الدروب المتشابكة داخل فضاء الديوانش، كما تعكس وعي الشاعر بالمغامرة التي سيقدم عليها في نصوصه.
انطلاقا من هذا التصور ندرك أن اللغة تتجاوز في قصيدة محمد شيكي وظيفتها التوصيلية لتعانق أفق الإبداع والخلق السامق، وترتفع عبر درجاتها إلى مستوى الإدهاش. فقراءة ديوان “أنثى البهاء” تجعل المتلقي يكتشف أنه شاعر يفجر كل طاقات اللغة التعبيرية والدلالية والإيقاعية ويطوعها لإيصال رؤياه الشعرية المتمردة بكل أبعادها ومن خلال كل زواياها، لأن اللغة ليست مجرد وسيلة تعبير وإنما هي طريقة في التفكير.
إن أي نص شعري جديد إلا ويقوم على أنقاض نصوص سابقة عليه. فكل شاعر جيد هو قارئ نهم، تقف خلف نصوصه مكتبة عامرة يستدعي من كتبها ونصوصها ما يخدم نصه الجديد، فيوظف منها ما يخدم رؤيته الفكرية والفنية سواء عن وعي منه أو عن غير وعي. ولعل البحث في النصوص التي يستدعيها الشاعر محمد شيكي كفيل بأن يرشدنا إلى المرجعية الثقافية التي ينهل منها والمقصدية التي تحركه في اتجاه دون آخر. كما أن الاستدعاء ـ والتناص فرع منه ـ “ليس من باب البضاعة التي ترد إلى أهلها بل قوامه الحوار بين الواقع الآني والذاكرة الحية النقادة المنتقية.” (كما يقول محمد العمري).
إن اختيار الشاعر محمد شيكي لمجموعة من النصوص دون غيرها هو اختيار من بين ممكنات نصية عديدة، لذلك فهو محكوم بالرؤية الثاوية خلف الديوان، خاصة وأنه تجاوز النقل الحرفي للنصوص المستدعاة إلى تحويلها وامتصاصها لإنتاج نص جديد.