الكتابة رؤية في الأساس، فكرة تتبلور في شعور القلب، تنطبع على لوح العقل، فتخرج إلى سطح التنسيق باللغة وبكل أدواتها. الكتابة هي درجة قصوى لإبعاد الذات والواقع، إسقاط، تحرير لنسق فلسفي ما، وتأسيس لأغراض نريدها أن تصل، والكاتب عليه أن يتحمل ما يصدر عن جهات الاستقبال والتي حتما، ستكون كثيرة،مقبلة، وصادة وناقدة.
هنا لابد لنا من بحث ما هي العلاقة بين الكاتب والقارئ، وما نوع الأدوات القارئة وما توافقها بين الكاتب والمتلقي.
القارئ متنوع أساسا، بينما الكاتب واحد، بنظرنا الى نسبة المعادلة، نلحظ التفاوت بينهما ،وبذلك منطقيا سيكون تحصيل التواصل أيضا متفاوتا. على الكاتب أن يكون مدافعا عن الرؤية والفكرة، وعلى القارئ أن يكون إما انطباعيا عابرا، إما قارئا مستقصيا، وإما ناقدا لجعل الكتابة، كتابة جديدة وبأدوات ممكنة لإنتاج النصوص أكثر ملاءمة لاستنباط الدلالات الممكنة.
وهناك كتابة ميتة، بمعنى أن أكتب ناسخا او ناقلا، فهنا لا وجود لعملية الكتابة، بل ابتذالها، وإخراجها من سياقها النسقي، إلى تخريجة نمطية اعتباطية ،هذا يظهر لنا جليا فيما تلعبه وسائل التواصل من استنساج مسيئ للفكرة الأصل.
إذ لابد من اعتبار النشر على وسائل التواصل، خلية للأفكار ومعرض كم هائل من المعلومات، الغرض من تأسيس الفضاء الافتراضي أصلا ليس تزويد وتطوير المعرفة، بقدر ما هو تحصيل المعلومات عن الكاتب والناشر والقارئ، لا غير.
للتاكيد على قولنا، هو كم الكتاب الذين هم بعيدون جدا عن معنى الكتابة، شكلا ومضمونا، وكم النصوص، بينما الأصل هو الفصوص،. إننا امام ظاهرة الفشل في الكتابة والقراءة، ظاهرة تذهب بنا إلى حتفنا المعرفي، كما يؤكدها كتاب كبار جدا، رولان بارث، موريس نادو، وآخرون.
لابد للكتابة أن تغتسل عشرات المرات بماء الفكر الصحيح، بماء النظرة الفلسفية، وبعطر المعرفة العالية. فالظاهر أن الكتابة أصبحت متنفسا ضيقا لحالات شعور أو فشل.
إنني أحس تمام الإحساس، وبعمق الذوق الفكري، إن الكثيرين من الكتاب الحقيقيين، قلقون على وجودهم المعرفي، وقلقون على إنتاجهم الفكري، نظرا لما يواجهونه من تهجين لرؤاهم، ومن نقط لا علمية فيه، وأغلب النقد الآن، انطباعي ، أخلاقي، ولغوي، لا نقدا منهجيا منمطا بقواعد علمية معرفية، ولا ينتمي إلى مدارس النقد الأدبي والفكري، على امتداد تاريخيتنا وتقعيدها دراسيا.