من يوميّاتي في شيكاغو
عيدٌ بلا عيد ٥٣
عيد يفتقر للأهل، ربّما الوضع عاديّ في بلاد الغربة، فقد تعوّدنا الوحدة، نقطعها في صلاة العيد الّتي تجعل للمناسبة ميزتها.
لم تتوقّف الصّلاة في شيكاغو، لكن بلا شكّ الأعداد كانت أقل لحفظ مسافات التّباعد الاجتماعي المناسب، بعض المؤسّسات الإسلاميّة قامت مشكورة بإضفاء أجواء مبهجة لإدخال الفرحة في قلوب الأطفال.
الفيروس ازداد نشاطًا في العيد، فزاد من أعداد الإصابات في شيكاغو.. الأيّام تشابهت بحيث أن البعض لم يعلم بقدوم العيد إلّا من خلال وسائل الاتّصال الاجتماعيّة، لم يعد للأيّام معنى، الجميع يعيش نفس الظّروف.
حاولنا خلق جوّ يعطي للعيد بهجته لكن عبثًا، حتّى صفحات الفيس بوك كانت تبتهج بالعيد بتحفّظ.
كتبت علينا الأحزان منذ أن وطأت أقدامنا الارض؛ فمن احتلال إلى تشريد إلى جوع إلى هجرة إلى موت قبل الأوان؛ تشابكت أيدي كورونا مع أيادي أحزاننا لنستعيد بيت المتنبي الّذي لن نعتقه يومًا:
“عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ”
تركت الأحزان قليلًا في محاولة أخرى لخلق بهجة مغتصبة، فكان لي رحلة مع العائلة إلى البحر؛ لأرمي قليلًا من تلك الأحمال الّتي فرضتها علينا تلك الظّروف القاهرة، مررنا من ضاحية جاذبة لا تبعد كثيرّا عن مدينة شيكاغو؛ تدعى إيفينستون، ضاحية يسكنها الأثرياء، تتميّز بالفلل والقصور الفخمة، ويوجد فيها جامعة نورث ويسترن العريقة، لم تستطع الكاميرا مقاومة المناظر الجاذبة، فكانت النتيجة ” فيديو” جمع ما بين جمال العمارة والطّبيعة الخلّابة، شاركت الفيديو كعادتي مع أصدقاء العالم الأزرق لندخل في متاهة المفاضلة بين الوطن والغربة، فالوطن للبعض هو السّعادة، والغربة للبعض الآخر هي الحلم، الدّعوات بالرّحيل من الوطن إلى بلاد الغرب تخلّلت بعض التّعقيبات، النّقاشات تدور رحاها ما بين نار الغربة والشّوق للوطن، ونار الوطن وجمال الغربة؛ وفي مثل هذه النّقاشات يغلبني الصّمت كما دومًا، إذ لن يقتنع أحد بنار الغربة إلّا حينما تلسعه نارها.
لا أظنّ أن غربة الوطن أشدّ من غربة خارج الوطن كما يقول البعض؛ فأنا ما زلت لا أقتنع بمصطلح “غربة الوطن”..
ما زلت أقول أن الوطن حضن، الوطن جنّة..
والعيد في الوطن عيد..
وعيد الغربة بلا عيد..
الغد أجمل بإذن الله..
كل عام وأنتم بألف خير❤️❤️