ما هكذا يا سعد، تورد الإبل :
دون أي تمهيد وتقديم أقول: في سياق مواظبتي اليومية على وِرْد محدد لي من القراءة والمذاكرة؛ اطّلعت اليوم على مقال أحد الإخوة الفضلاء من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، أنه أثنى على الأستاذ طه حسين ثناء عاطرا ومدحا بالغا إلى أن خلع عليه لقب “عميد الأدب العربي”، بينما هو -الكاتب- يخبط خبط عشواء، ويجهل جهالة عمياء عما قاله أعلامنا الكبار في ميدان التحقيق، ومجال البحث العلمي والتدقيق، وسلفنا الصالح عن هذه الشخصية، “وما هكذا يا فاضل، تسلك في النقد السبل”!
والأديب طه حسين في حدّ ذاته، على ما له من إسهامات بارزة في مجال البحث والتأليف إلا أنها تميل في أغلبها إلى الزيغ وشبه البطلان، لا بل البطلان رأسا والفكرة الغربية التي حذّرنا منها الأستاذ أبو فهر محمود شاكر في مؤلفاته: “أباطيل وأسمار” و”مع المتنبي” و “قضية الشعر الجاهلي”، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي في كتابه “تحت راية القرآن”، والأستاذ شكيب أرسلان في الرسالة التي بعث بها إلى الرافعي وآخذ فيها على طه حسين بمؤاخذات قوية، والمتتبع لهذه الفكرة والناظر فيها يجد الأمر وتحليله هو الآخر واضحا أيما وضوح، وللتنبيه فقط أشارككم هذه السطور ليكون الإخوة على علم تام ومعرفة جيدة أن الكتابة ليست عبارة عن سوق التعابير الأنيقة فحسب! بل ثمة العديد من الأمور التي تجب مراعاتها لأي كاتب في قضايا فكرية، وباحث في الدراسات الإسلامية والأدبية، وأفهم – والله أعلم وعلمه أتم- أنّ من أعظمها وأهمّها: أن لا تصادم أو تناقض التراث العربي الإسلامي النفيس، وأن لا يكون لها تضادّ مع ما وضعه أرباب اللغة، وأجمع عليه اللغويون قديما وحديثا.
وتالله وبالله إن كل من يريد أن يلعب دورا كبيرا في مجال الكتابة، وفن المقال والتعبير، لا يستغني بأية حال وإن بلغ القمة والذروة عما كتبه القدامى أمثال: الجاحظ والجرجاني والزمخشري إلى ابن المقفّع والمبرّد إلى ابن قتيبة والقالي إلى عبد الحميد الكاتب، وهلمّ جرّا.. وأتذكّر هنا قول العلامة ابن قيم الجوزية -رحمة الله تغشاه وبلّ الله ثراه- إذ يقول في كتابه: “الفوائد” : “من كان أكثر اجتهادا كان أكثر هداية”! وعليه فالكاتب ما دام يعيش على تلّة الجهل المركب، أو حتى البسيط لا يُستغرب منه صدور هذه الكتابات السخيفة التي ليست إلا مجرد حبر على ورق، أو نوعا من الاهتمام بالرمم البالية، أو صيحة في واد، ونفخة في رماد، والشيء من معدنه لا يستغرب -إن صح التعبير-.
ولايذهبن بك الوهم والظنّ أيها القارئ الكريم إلى أني أسيء الأدب مع الأستاذ طه حسين حاشا وكلاّ؛ بل إنما قصدي من خلال هذه الأسطر التي أسوقها على استحياء أن لا يخطّ الكاتب -أيا كان ومهما كان- ولو سطرا ما دام لم يُحِط بالموضوع الذي رام الخوض فيه من أركانه الأربع بل الستّ، ومناحيه كلها، فساعتئذ تأتي كتاباته عميقة في معانيها، راسخة في قواعدها وبنائها، سليمة في منهجيتها وسيرها، والعكس بالعكس … ويجدر بي أن أسوق هنا قولة الأستاذ الطنطاوي في كتابه : “فصول في الثقافة والأدب “أن طه حسين خلع عمامته فخلع معه عقله وأدبه”، ومما يستبعد هنا أن صاحبنا الذي نحن بصدد ذكره على الرغم من أنه مولع بكتابات الطنطاوي -وهو من هو في هذا الباب- إلا أنه لم يقف على هذه المقولة المذكورة في ثنايا كتاباته…
ومما يبعث على الأسى والألم، ويبخع النفس، أن هؤلاء الكتاب إن أنت عقبتَ عليهم ونقدتهم نقدا علميا من باب النصح أو التوجيه والتنبيه لهم، ليراجعوا أنفسهم فيما وقعوا فيه من الخطأ والزلل بادلوك بقلة اهتمام وعدم اكتراث ومبالاة لما بذلتَ من نصح، وقد لا يلقون أي بال ولا يقيمون أي وزن لما سعيتَ للفت انتباههم نحوه، فيقبحون ويهدمون لنصر عصابتهم، ويحسبون كل صيحة عليهم، إلى أن يصدق فيهم قول ربنا -تبارك وتعالى- {الأخسرين أعمالا الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.
وأختم مقالي بما قاله الأستاذ أمير البيان مطفى صادق الرافعي في كتابه “تحت راية القرآن”:
*إسفنجة جاءت لشرب البحر..*
*وشمعة ضاءت لشمس الظهر..*
*و الشيخ طه في انتقاد الشعر..*
*ثلاثة مضحكة لعمري..*
(اللهم لا تؤاخذنا بما نسينا أو أخطأنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الجاهلين).