أيتها الحياة.. لماذا أنا بالضبط…!!!؟؟؟
كان الليل قد أسدل ستاره، و ِمنْ شُقٍّ بنافذة غرفته، كان يلمح لونا شديد السواد.. في فمه قطعة من الرغيف.. نصفه السفلي في الفراش.. موسيقى غريبة دافئة تملأ مسامعه..إبريق الشاي الفارغ على المائدة، الصحن الذي خلا من الأرغفة ينظر إليه فاغرا فاه..
وهو على هذه الحال رجعت به الذاكرة إلى الخلف، إلى سنين مضت، كان خلالها ذاك الابن المثالي، تضرب به الأمثال؛ أخلاق ومعاملات، دراسة وتفوق، فطنة وذكاء.. فضول معرفي رائع، خلقة جميلة… تذكر أيام التفوق.. الاقتحام، اقتحام الحياة… كان قد دخل قصر الحياة لابسا قناعا مزيفا، قناعا خادعا.. خدع الحياة، وبدا لها مثاليا، فأمرت الحارس الغليظ بالباب لإدخاله، فمشى الخيلاء، رأسه إلى أعلى.. مشى نحو الشمس بإصرار.. بتحد.. بخطى متتالية متسارعة.. قطع ثلث الطريق بامتياز، ولكن كان ما كان.. لم يكن قد ثبَّت قناعه جيدا، فسقط على الأرض، وانكشفت الحقيقة المرة التي لم يقبلها، ولم يشعر إلا وهو خارج الحياة، بعدما رماه الحارس خارج قصرها.. انتبه لتوقف الموسيقى، وأخذ نفسا عميقا، وجال النظر في الغرفة فلمح المرآة المعلقة على الحائط، قام نحوها، تأمَّل نفسه فيها، بدا له وجهه قبيحا، خلقه خبيثا، عقله تائها.. أصبح خموله لا يُتصور .. كان ذلك بالنسبة له الموت البطيء…
تحامل على نفسه وصنع قناعا آخر رائعا، تأمله جيدا، وثبته على وجهه، وعاد إلى قصر الحياة، ليكمل مسيرته، وكله أمل ألا ينكشف أمره ثانية، فتُقسم الحياة بعدم قبوله مدى العمر… لقد رأى بأم عينه أناسا دخلوا أول مرة بأقنعة مزيفة، ولا زالوا يمشون نحو الشمس، وإذا فعلت الحياة ذلك به مرة ثانية، فإنه قرر أن يصيح بأعلى صوته: أيتها الحياة.. لماذا أنا بالضبط…!!!؟؟؟