الصراع الأزلي بين الخير والشر من منظور شعري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرة هي المقالات والدراسات والندوات والمحاضرات والخطب والمواعظ، التي تحدثت عن الصراع الأزلي بين الخير والشر، لهذا خشيت أن يكون كلامي مكررا، والإنسان بطبعه يمل من التكرار؛ يقول الشاعر أسامة بن منقذ:
يزيدُ سامِعَها تكرارُها شغَفا *** بها وكم جلب التكرير من سأم
ويؤكد المعنى الشاعر ابن حيوس:
ولا تكرَّرُ في سمعٍ فيحدثَ منْ *** تَكْرَارِهَا ضَجَرٌ مِنْهَا وَلاَ مَلَلُ
إلا أن الذي شجعني لخوض غمار التجربة؛ هو قول الشاعر ابن نباتة المصري:
معظمة المعنى يكرر لفظها *** فيحلو نباتيّ الكلامِ المكرر
يحلو إذا كررته وحسبكم *** بالسكر المصري حين يكرر
ومن ثم سيقتصر كلامنا على: رؤية بعض كبار الشعراء في (الخير والشر) طبقا لما أوردوه في أشعارهم من وصف؛ متمثلا قول الشاعر جبران خليل جبران:
وكوصفه الوصف الذي *** عن رؤية الرائي ينوب
وهاهم الشعراء يتحفزون للإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع الهام، ويسرع الخطى الآن الشاعر جبران خليل جبران، رافعا شعار (في الخير عجل، وفي الشر أجل)؛ فيقول:
فالخير كل الخير يفه مقبلا *** والشر كل الشر أن يتخلفا
ويقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
إن خيرَ الأنام من *** عجل الخيرَ إنْ قصدْ
ويقول الشاعر البرعي:
الخيرُ أنفعهُ للناسِ أعجلهُ *** لا خيرَ في كلِّ خيرٍ فيهِ تأجيلُ
ويقول الشاعر أبو تمام:
ولا شكَّ أنَّ الخيرَ منكَ سجية ٌ *** ولكنَّ خيرَ الخيرِ عندي المُعجَّلُ
هنا يعترض الشاعر أحمد محرم على ما ورد في الشطر الأول من بيت أبو تمام؛ معلنا أن الخير من (السجية: الصفة الفطريّة في الإنسان)؛ بل هو من الصفات المكتسبة بالاعتياد، أي أن النفس إذا عودتها الخير اعتادت، وإذا عودتها الشر اعتادت؛ فيقول:
وعودنا خلال الخير إني *** رأيت الخير والشر اعتيادا
فيأتي الشاعر عبدالغفار الأخرس مؤيدا لأبي تمام؛ معلنا:
ما الجود والمعروف إلاّ سجيّة *** يزين بها الباري سجايا الأكارم
فيحاول الشاعر جبران خليل جبران تهدئتهم؛ بقوله:
خطر (الأحبة) أن يباعد (بينهم) *** والخير كل الخير في التقريب
فيحييه الشاعر أحمد شوقي على سعيه؛ قائلا:
يا أخي ـ والذخرُ في الدنيا أَخٌ ـ *** حاضرُ الخيرِ على الخير أَعانا
ما تصنع اليومَ من خيرٍ تجده غداً *** الخيرُ والشرُّ مثقالٌ بمثقال
فأومأ الشاعر أحمد محرم برأسه إيجابا؛ وقال:
دار الصنائع خير دارٍ تبتنى *** فالله يجزي الخير من يبنيها
وعلى طريقة (الخيرة فيما اختار الله) يضيف:
فما وجدوه إلا الخير محضا *** ولا اختاروه إلا موقنينا
فيبتسم الشاعر البحتري ابتسامة رضا، معلنا أهمية وجود أعوان للخير؛ فيقول:
لمِ يَنْكِلُوا عَنْ فِعَالِ الخَيْرِ أَجْمَعَهُ *** إِنْ لَمْ يُصِيبُوا عَلَى الخَيْرَاتِ أَعْوَانا
فيشكو الشاعر أسامة بن منقذ حاله إليهم:
قد أَفْرَدْتنِي الحادثاتُ، فَليس لي *** أنيسٌ، ولا في طَارِقِ الخطبِ أعوانُ
فيهمهم الشاعر مهيار الديلمي قائلا:
وأغلبُ ما أتاك الشرُّ ممن *** تذبّ الشرَّ عنه أو تذودُ
ويضيف الشاعر ابن المعتز:
وإخوة شرٍّ قد حرَثتُ إخاءَهم، *** فكانوا لفرسِ الودّ شرَّ بقاعِ
ويقول الشاعر محمد إقبال بمرارة:
سطوة القوة تحلى ما أمر *** إن تقل للخير شر فهو شر
ويصرخ الشاعر ابن الزقاق البلنسي؛ مؤكدا:
رب أنس كنت من أعوانه *** وهو من أعظم أعوان الغموم
فيصف الشاعر أبو نواس هذا المعين على الشر:
لهُ مِنْ جنْدِ إبْليسَ، *** على الفِتْنَة، أعوانُ
فيسرع الشاعر الشريف الرضي، موضحا أن خير معين هو الله:
ذا لم يعنك الله يوماً بنصرة *** فأكبر أعوان عليك الأقارب
فيؤيده الشاعر ابن دارج القسطلي:
وقد علموا يا مستعين بأنهم *** لربهم لما أعانوك أعوان
ومن فاعل الخير وأعوانه إلى الدالين عليه؛ فيستبشر الشاعر إبراهيم ناجي خيرا، بقول رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم: (من دلَّ على خير، فله أجر فاعله)؛ فيقول:
(لقد) رأيت الخير في (قوله) *** يحمل لي الخير وبشراهُ
فيوضح الشاعر أبوالعلاء المعري أن العكس بالعكس أيضا:
وإنْ دُلِلْتَ على شَرٍّ لِتأتِيَهُ، *** فأنتَ منهُ، على ما ساءَ، مَدْلول
فيهلل الشاعر أبو العتاهية ويكبر:
أطالِبَ الخيرِ أبشرْ واستعدَّ لهُ *** فالخيرُ أجمعُ عند اللهِ مأمولُ
وهنا أومأ الشاعر جبران خليل جبران برأسه إيجابا، مشيرا إلى القول الشائع (اعمل الخير ولا تلقه في البحر، بل احتسبه عن الله):
والق ما قدمت يداك من الخير *** فعند الرحمن خير الجزاء
ويقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
فافعَلِ الخيرَ إن جَزاكَ الفتى عنـ *** ـه، وإلاّ فاللَّهُ، بالخَيرِ، جاز
ويقول الشاعر محيي الدين بن عربي:
وأعكفُ على كلِّ خيرٍ أنتَ فاعلُه *** فإنما الخيرُ في التشريعِ بالدينِ
فتظهر على الشاعر أبو العلاء المعري حالة من عدم الرضا؛ فيسألونه عما ألم به؟؛ فيجيب:
يئستُ من اكتِسابِ الخَيرِ لمّا *** رأيتُ الخَيرَ وُفّرَ للشِّرار
فيرد عليه الشاعر أبو العتاهية معلنا أن (العبرة بالخواتيم):
ليسَ كُلُّ الخيرِ يأْتِي عَجَلاً *** إنّما الخَيرُ حُظوظٌ ودَرَجْ
ويقول الشاعر أحمد شوقي مهدئا روعه:
يا قلبُ، لا تجزع لحادثة (الشر) *** واصبر ، فما للحادثاتِ دوام
هنا يفتخر الشاعر عمر ابن أبي ربيعة بما تحقق له من دوام ود حتى بعد أن بلى ود من سبقوا:
بلى كلُّ ود كانَ في الناس قبلنا، *** وودي لا يبلى ولا يتغير
فيحييه الشاعر أبو العتاهية؛ قائلا:
خيرُ أيَّامِ الفتَى يومٌ نَفَعْ *** وَاصطِناعُ الخَيرِ أبْقَى ما صَنَعْ
ويضيف الشاعر ابن الرومي:
الخيرُ مَصْنوعٌ بصانِعِهِ *** فمَتَى صنعْتَ الخيرَ أعقبكا
هنا أشار الشاعر جبران خليل جبران بحكمة بليغة إلى كل من ينتظر خيرا مقابلا لخيره:
باشروا الخير يدفع الشر عنكم *** إنما الخير عصمة وسلام
ويقول الشاعر ابن الرومي:
علمتك فيك الخيرُ والشرُّ كلُّه *** وكلك خيرٌ عندَ منَ يتفهم
ويقول الشاعر بدوي الجبل:
معدن الخير و الجمال المصفّى *** وجهك الخيّر الكريم الجميل
ويقول الشاعر النابغة الشيباني:
يزيدَ الخَيْرِ وهو يزيدُ خيراً *** وينمي كُلَّما ابتُغِيَ النماءُ
فيشير الشاعر حيدر بن سليمان الحلي إلى أحدهم؛ قائلا:
هو في الخير من قديم الليالي *** خيرُ من قد مشت به قدمان
فيوافقه الشاعر عبدالغفار الأخرس مضيفا، أن الهداية إلى الخير من الله:
فاستهدهِ في كلّ خير *** إنَّه في الخير أهدى
ويحدد الشاعر محيي الدين بن عربي طريق طاعة الله، باعتباره الطريق الموصل إلى الخير:
أعرض عن الخير ما استطعتا *** فالخيرُ يأتيكَ إن أطعتا
ويضيف الشاعر عدي بن زيد:
إِذا ما رَأَيتَ الشَرَّ يَبعَثُ أَهلَهُ *** وَقامَ جُناةُ الشَرِّ بِالشَرِّ فَاِقعُدِ
وحينئذ يقول الشاعر ابن شهاب:
أنت المهذب لم يزاحمك أمرؤٌ *** فيما حويت من الفخار ولا ادّعى
ويضيف الشاعر الفرزدق:
وَأنْتَ امرُؤٌ إنْ تُسْألِ الخَيرَ تُعطِه *** جَزِيلاً، وَإنْ تَشفَعْ تكنْ خيرَ شافعِ
فيقول الشاعر ابن الرومي:
تلك خير لعارف الخير مما *** يجمع الناس من فضول الثراء
فيضيف الشاعر طرفة بن العبد:
الخيرُ خيرٌ وإنْ طالَ الزّمانُ به *** والشّرُّ أخبثُ ما أوعيتَ من زادِ
ويقول الشاعر ابن المعتز:
بَني عَمّنا أيقَظتُمُ الشرَّ بَينَنَا، *** فكانتْ إليكم عدوة َ الشرّ أعجلا
ويقول الشاعر ابن الرومي:
والشَّرُّ مفعولٌ بفاعِلِهِ *** فمتى فعلْتَ الشر أعطبكا
ويقرر الشاعر بشار بن برد؛ أن هؤلاء الأشرار:
أَجِدَّهُم لا يتقُون دَنِيَّة *** ولا يؤثرون الخير والخيْر يؤثر
ويصف الشاعر علي بن الجهم أحد هؤلاء الأشرار؛ بقوله:
إِذا قايَستَهُ بِشَريرِ قَومٍ *** تَناهى الشَرُّ وَاِنقَطَعَ القِياسُ
ويصف الشاعر ابن الرومي الشرير؛ بقوله:
فلصدرِهِ من ذاك شرُّ بِطانة *** ولقلبه من ذاك شر سُعار
ـ فكيف ستتعاملون أيها الشعراء مع أمثال هؤلاء الأشرار؟:
ـ أجاب الشاعر ابن الرومي:
أؤدي إن فعلت الخير خيراً *** إليك وإن فعلت الشر شرا
فيوافقه الشاعر الشريف المرتضى الرأي:
فللخيرِ إنْ آثرتمُ الخيرَ موضعٌ *** وللشّرِّ إنْ أحببتمُ الشّرَّ موقفُ
ويضيف الشاعر أبو إسحاق الألبيري:
أجزى الخير إن قدمت خيرا *** وشرا إن جزيت على اجتراحي
فأومأ الشاعر ابن الرومي برأسه إيجابا:
بلى بجزاءِ الشرِّ بالشر ماهرٌ *** ولستَ تُجازي مُحسناً ببلاء
فذكر الشاعر علي بن الجهم:
قالَت هُجينا قُلتُ قَد كانَ بَعضُ ما *** ذَكَرتِ لَعَلَّ الشَرَّ يُدفَعُ بِالشَرِّ
غير أن الشاعر ابن شهيد له رأي آخر:
لا أقارض جهالا بجهلهم *** والأمر أمري والأيام أعوان
فوجه الشاعر أحمد محرم سؤالا للشاعر ثابت بن جابر: ماذا لو:
ولى بشير الخير معرضاً *** وقام نذير الشر بالشر ينعب
فأجابه على الفور:
لا أتَمَنَّى الشَّرَّ والشَّرُّ تَارِكِي *** ولكن متى أُحمل على الشَّرِّ أركبِ
ويضيف الشاعر المتنبي:
وما ذاكَ بُخْلاً بالنّفُوسِ على القَنَا *** وَلَكِنّ صَدْمَ الشّرّ بالشّرّ أحزَمُ
ويقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
عَرَفْتُ الشّرَّ لا لِلشّرِّ *** لَكِنْ لِتَوَقّيهِ
فينقلنا الشاعر أبوالعلاء المعري إلى ظاهرة (ادعاء الخير) التي يتبناها البعض؛ فيقول متهكما:
قد ادّعى النُّسكَ أقوامٌ، بزَعمِهمُ، *** وكيفَ نُسكُ غَويٍّ رُمحُه وَرِس
كم ادّعى الطُّهر ناسٌ، ثمّ كشّفهمْ *** مَرُّ الزّمانِ، فكانَ القومُ أرجاسا
فيضيف الشاعر عبد الغفار الأخرس:
إذا ادعى الشرف السامي تفرُّدكم *** في المجد أظهر في دعواه برهانا
فيؤكد المعنى الشاعر جبران خليل جبران:
رجل إذا ما شاد شاد متمما *** وإذا ادعى دعوى أقام دليلا
ثم يضيف يائسا:
من ادّعى الخيرَ من قومٍ، فهم كُذُبٌ، *** لا خيرَ، في هذه الدنيا، ولا خِيَرُ
فيطالبه الشاعر الشريف المرتضى بألا يدفعه اليأس إلى تقدير البلاء قبل وقوعه:
ولا تعداني الشّرَّ قبلَ نزولهِ *** فإنّ انتظارَ الشّرّ أدهى وأعضلُ
فيعترض الشاعر ابن الرومي، موضحا أن الشر قد وقع، ويقرر:
لا أنادي من ادّعى صمما *** قوَّمَتني غير قيمتي غلطاً
فيهدئ الشاعر أحمد شوقي من روعه؛ قائلا:
فيما دهاك لو اطَّلعتَ رضًى *** شرٌّ أخفُّ عليك من شرّ
ويطمئنه الشاعر سبط ابن التعاويذي؛ فلربما:
ولَّتْ سحابة ُ ذاكَ الشرِّ مُقلِعة ً *** عنّا وعادَ رَماداً ذلكَ الشرَرُ
وتأتي بعض وصايا لقمان لابنه خير خاتمة لهذا المقال: “يا بني: اعتزل الشر يعتزلك؛ فإن الشر للشر خلق.”، “يا بني: كذب من قال إن الشّر بالشّر يُطفأ، فإن كان صادقًا فليوقد نارين، ولينظر هل تُطفئ إحداهما الأخرى، و إنّما يُطفئ الخير الشّر كما يُطفئ الماء النار”.