لم تعد الرؤى الفكرية الاستراتيجية ومصطلحاتها هي نفسها التي غلبت على المشهد العالمي لمدة طويلة، إذ بتغير الوضع البشري وبجميع مفاصله، بدأت ملامح التغيير في الفكر والاستراتيجية بدافع استعمال متعمد لما خلفته أزمة كورونا على جميع الأصعدة. والمتأمل الجيد لأوضاع العالم ودوله، سيلاحظ تفاقم الصراعات بين محاور القوة العالمية.
أي بين الثلاثي، الصين أمريكا وروسيا، بينما أوروبا تحاول البقاء في حضن أمريكا ومحاولة استفادتها من قوة الصين الاقتصادية دون أن تفتح معها أي جبهة للصراع، وهي في غنى عنه في هاته المرحلة، لأنها وببساطة حلقة ضعيفة في تموقع القوى العالمية، وذلك راجع إلى ما يعتريها من مشاكل داخل الاتحاد الأوروبي. هاته المشاكل الداخلية هي مكرهات سياسية وتنظيمية تحتاج إلى حل جماعي بين دول الاتحاد، وليس حلا مفروضا من الدول القوية اقتصاديا في الاتحاد.
الصراع الذي يتأجج بين الصين وأمريكا على المستوى الاقتصادي والحل المتأمل فيما بينها، أن يكون سياسيا حتى تستقر التوجهات الاستراتيجية ويظهر التوافق بينهما على تقاسم التحكم في العالم كقطبين حاكمين. لا أعتقد أن حربا ما وبمفهومها التقليدي ستشتعل بين القطبين، كونها لن يربحها أحد ويخسرها آخر، لكنني لا أستبعد حدوث مناوشات محدودة في حالة لم يجلس الطرفان إلى طاولة التوافق والتفاهم. زد على ذلك طرف آخر يحاول الانضمام إلى القطبين السابقين وهو روسيا، لكن روسيا إذا قيمنا إمكانياتها كاملة، فهي مستبعدة كقطب ثالث، لذلك تحاول إصدار قرار سياسي بحرب النفط وأسعاره، لكن هذا الأمر سوف لن يؤهلها إلى مرتبة القطبية وإن كنا نراها تدور في فلك استراتيجية حلفاء الصين وسياسة طريق الحرير الجديد.
كورونا وباء من حيث وجوده وأثره على حياة المجتمعات، لكنه أيضا عنصر فعال في اتخاذه لعبة استراتيجية واقتصادية في استغلال أثره على الدول. فهو شبيه بالحرب التي يخرج منها منتصر ومنهزم، فالمنتصر تخلق معه حالات اجتماعية كما تظهر معه فئات تنجح في تضخيم ثرواتها، وهذا جلي في حالتنا هاته وواضح جدا في السباق بين الشركات الدوائية واللوجيستية والإليكترونية، ما عدا شركات النفط التي تعتبر خارج مدار التجارة، ولكنها أداة سياسية تستعمل في توجيه المال والسياسة العالمين.