القانون ليس بالضرورة منصفا في كل الأحوال، فالقوانين صياغة بشرية في سياق معين لا يخضع دائما لمنطق الإجماع والتوافق، لكي يكون كذلك لا بد من فتح نقاش وعرضه للتداول على مختلف الفعاليات السياسية والثقافية والمدنية، وإلا فسنسقط في فخ ديكتاتورية الأغلبية: فالديموقراطية ليست قانون الأغلبية ولكن حماية الأقلية كما قال Albert Camus.
القانون قبل تمريره للتصويت داخل قبة البرلمان، من المفروض أن يكون موضوع نقاش في الإعلام العمومي بإشراك أهل الاختصاص من خبراء في القانون والقانون الدستوري وكذلك سلك القضاء، فالعدالة في الدول السائرة في طريق الديموقراطية تصحح أعطاب باقي السلطات وتعيد التوازن للبلد رغم بعض القوانين الجائرة كما حدث لقضاة مع ملفات المهاجرين بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد صعود ترامب إلى السلطة أو ما حدث من نقاش ببلجيكا حول مشروع قانون تفتيش المنازل بحثا عن المهاجرين السريين. ورأينا كيف أبلى الجهاز القضائي البلاء الحسن في النقاش العمومي وكيف سعى لعدم تمرير هذه القوانين لأنها تمس بحرمة البيوت والحياة الخاصة.
لو كانت كل القوانين عادلة ما تم الغاء قانون الأبارتايد العنصري الذي حكم جنوب إفريقيا لعقود.
حملة المقاطعة التي دشنها نشطاء الفايسبوك قبل عامين أتت أكلها وأحرجت لوبيات الفساد والريع بالبلاد، وسحبت البساط من تحت أقدام النقابات العمالية التي أبانت عن فشلها الذريع في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للطبقة الشغيلة، وتواطؤها الفاضح مع أصحاب القرار لتمرير قرارات غير شعبية، استهدفت الطبقة المتوسطة المغلوب على أمرها..
الحملة أسقطت كذلك ورقة التوت على جمعيات حماية المستهلك التي فشلت في تقديم حماية قانونية للمستهلك الذي اكتوى بلهيب غلاء الأسعار في سوق غير متوازن تغيب عنه المنافسة الشريفة.
أعتقد أن أشد الأمراض فتكا بالاقتصاد الوطني هي: الاحتكار والمضاربة وغياب المنافسة.
لازلت أتذكر أزمة زيوت “العافية” السعودية التي كادت أن تعصف بالعلاقات المغربية السعودية عندما حولت استثماراتها إلى الجزائر، ردا على مضايقات المخزن الاقتصادي المغربي الذي وضع العصا في عجلة الشركة السعودية رغبة في إبعادها من ساحة المنافسة التي تحتكرها زيوت لوسيور التابعة آنذاك لشركة أونا.
لو كان اقتصادنا منفتحا، يضمن منافسة شريفة بين المستثمرين، ما غير المستهلك سلوكه ودعا إلى مقاطعة بعض المنتوجات كسلوك انتقامي من الشركات التي امتصت دماءه في غياب أية حماية قانونية للمستهلك من طرف جمعيات حماية المستهلك أو النقابات العمالية التي أصبحت جزءا من المشكلة.
الوعي المجتمعي والمدني الذي بدأ يتشكل عبر قنوات التواصل الاجتماعي والتحول الجذري لسلوك المستهلك، أحرج أرباب الشركات الكبرى الذين استفادوا من الاقتصاد الريعي والزبونية التي طبعت الاقتصاد المغربي منذ الاستقلال، فبدل الانسحاب من السوق وقبول قواعد اللعبة، اختاروا أسهل الطرق، وهي مزيد من التضييق على حرية التعبير وتقييد الفضاء العام وكذلك الرقمي، لممارسة ساديتهم الاقتصادية وتحويل المواطن إلى مستهلك غبي.