Home Slider site المسلمون بين التمني والمغالبة في سياق جائحة “كورونا” – د. أحمد زقاقي
ربما كان الأمر يحتاج إلى صفعة من صفعات القدر كـ”كورونا” لنتبين مواطن الخلل في تصورات وتصرفات الكثير من العرب والمسلمين الذين يحسِبون أن سبيل التَّخلُّص من غُثائِيتهم وتفاهتهم الحاضرة على مستوى الدول والشعوب، هو سلوك سبيل الدعاية بالترويج لفكرة أن الغرب والغربيين يقومون بحركة انتقال جماعية إلى الإسلام، وبتصوير الإسلام كمخرج ومنقذ من جائحة “كورونا” بدل الدواء واللقاح، بدليل التصريحات المشيدة بالإسلام والمسلمين الصادرة عن هذا الفنان الغربي، أو ذلك المغني، أو الممثل، أو الفيلسوف والمفكر، أو العالم في مختبرات هذه الدولة أو تلك، وبدليل ارتفاع صوت الأذان في عدد من المساجد في أرض المهجر، وشهود يهود ومسيحيين لصلاة المسلمين. وبلغ البعض شأوا بعيدا في التخمين والتَّخرُّص، فادَّعى أن اسم الفيروس الفتاك قد ورد في القرآن الكريم، وأن “الطب النبوي” قد قدَّم الوصفة الملائمة لعلاجه وهلم جرا، وغاب عن أذهان هؤلاء أنهم يُسيؤون إلى الإسلام والمسلمين:
– فهم يُخفون ما بداخل أنفسهم ودولهم وشعوبهم من الخراب وهم يملكون دينا على درجة كبيرة من الجمال والجلال، والعدل والكمال، والصلاح والفلاح، والتحرير والتنوير.
– ويجنحون إلى اتكالية تجافي العمل الذي يحتفل به الإسلام، ويجعل منه معيارا لتبيان مدى تمكن الإيمان من القلوب (ليسَ الإيمانُ بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي ولَكِن ما وقرَ في القَلبِ وصدَّقتهُ الأعمالُ، والَّذي نَفسي بيدِهِ لا يدخلُ عبد الجنَّةَ إلّا بعَملٍ يتقنُهُ قالوا يا رسولَ اللَّهِ ما يتقنُهُ قالَ يُحكِمُهُ. الحديث).
– ويخفون استعجالهم للانتقام من المخالف الديني بإكراهه على الدخول في الإسلام بمطارق الأقدار.
– ويُسهمون في انتشار نزعات الكراهية للإسلام والمسلمين في الغرب (الإسلاموفوبيا)، ويقدمون خدمات مجانية لليمين المتطرف الذي يعتمد سياسة التخويف منهم، ويُصَيِّرُهم وَقُودا لحمْلاته الانتخابية.
– في ميزان القوى الدولي يتعلق الأمر بصراع سَمْتٍ ونماذج، فالمطلوب هو تقديم نموذج إسلامي ناجح أولا في الحوار وحسن الجوار دون السقوط في لغة انهزامية أو نسبية متطرفة، وثانيا في السعي إلى إرساء سلام دولي، لأن دعوة الإسلام كجواب عن أسئلة وجودية تُزْهِر في تربة السلام والحرية والديموقراطية، وثالثا في تمثل الأخلاق الإسلامية على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي لاجتناب التدين الأجوف: تدين الشعارات والقلب فارغ من معاني العبادة والتقرب إلى الله جل وعلا بالفرض والنفل، وقضاء حوائج الناس، وإغاثة الملهوفين، ونصرة المظلومين، والتوجه بالدعاء الخالص ليرفع الله البلاء والوباء عن البشرية.
– تاريخيا: لما قدم المسلمون النموذج الناجح لم يحتاجوا لرمح ولا لسيف، ولا لرصاصة لتدخل شعوب في ماليزيا وأندونيسيا وغيرها الإسلام، على أيدي تجار صادقين أمناء لم يُعْمِهم جشع ولا طمع.
– إن كان ما سطَّرناه يدخل في باب النقد الذاتي لتجاوز الأخطاء، وتجويد العمل، وتقويم الاعوجاج، فإنه يلزم الحذر من جلد الذات أي القيام بنقد ذاتي منفلت من الضوابط، ويفضي إلى التدمير الذاتي لا إلى البناء، وإن المشاريع الكبرى في حياة المجتمعات والشعوب لتحتاج إلى الاجتهاد والمغالبة، أما التمني فهو -كما قيل-: بضاعة الحمقى، ورأس مال المفاليس.
ورحم الله شوقي:
وما نيل المطالب بالتمنـي
ولكن تؤخذ الدنيا غلابــا
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا